د.اسلم الطالب أعبيدي
قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ).
صدق الله العظيم.
منذ أن بدأت أهتم بالشأن العام في بلدي وأنا أسمع الحكومات الموريتانية المتعاقبة تتحدث عن خطورة الفساد ولا أذكر أنها اتفقت على شيء كاتفاقها على أن الفساد هو سبب مايعاني منه المجتمع الموريتاني من فقر وهشاشة وتخلف.
غير أن جميع الحروب التي أعلنتها حكومتنا المتعاقبة على الفساد هي حروب بلا سلاح ولا ذخيرة ولا دخان ولا ضحايا ولا أسرى، حتى أنني أقول لنفسي أحيانا ليت كل حروب العالم كانت كحرب حكوماتنا على الفساد.
نعم فكل الملفات الكبرى التي تتعلق بالفساد بشتى أنواعه تنتهي دون حسم أو تتوقف عندما يتم الاقتراب من الرؤوس الكبيرة، ثم سرعان مانرى الأسماء المتورطة في مناصب عالية!.
ومن أعجب مايثار في هذا الصدد أن بعض المفسدين المقرين بفسادهم يتم تعيينهم في مناصب سامية حتى يسدّدوا لخزينة الدولة من عائدات الوظيفة الجديدة.!
ومن أخطر مظاهر الفساد العام في نظري مؤخرا هو الملف المتعلق بحبوب الهلوسة والأدوية المزورة والذي كان من المفترض أن يتم حسمه قبل سنوات نظرا لحجم الضحايا من المواطنين الذين تعج بهم المستشفيات الوطنية بل ومستشفيات المغرب وتونس والسنغال وفرنسا؟ هذا فضلا عن مئات الأطفال و المراهقين الذين ضاع مستقبلهم بسبب المؤثرات العقلية.
فأين المجرمون ولماذا لايقدمون لمحاكمة علنية حتى يكونون عبرة لغيرهم؟!
قبل سنوات كذلك تحدث وزير التعليم العالي حينها الدكتور سيدي ولد السالم عن اكتشاف عدد كبير من الشهادات المزرة بعد تحقيق أجرته وزارته.
فأين وصل ذلك وهل كان للوبي الفساد والتزوير في قطاع التعليم العالي دور في إقالة الوزير السابق ؟ وهل مازال المزورون في أماكن عملهم في الجامعات والمستشفيات والمؤسسات الحكومية .
وهكذا للأسف تصر حكوماتنا على ذلك السلوك القبيح في التمييز بين المجرمين والذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم
(إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ).
فنحن نسجن سارق أحذية أو من هدد شخصا بسلاح أبيض ولكننا نترك من يسرق مليارات من خزينة الدولة حرا طليقا وكذلك نفعل مع تجار الموت والأدوية المزورة.
رغم هذا الواقع المر لا أوافق من يروجون خطاب العدمية
و“التخوين العام” واتهام جميع المسؤولين والسياسيين في البلد بالنفاق والكذب والفساد لأنهم بذلك يشجعون الفساد ويهدمون هيبة الدولة عن قصد أو بدونه.
فحين يقتنع مجتمع ما بأن ساسته بلامبادئ فذلك مؤشر خطير على قيم ذلك المجتمع وأخلاقه بل وعلى استقراره وبقائه!
إن ثقافة (وما أنا إلا من غزية) التي يروجها خطاب “التخوين العام” ضمنيا هي ثقافة جاهلية رديئة لايمكن للمجتمعات الناضجة والأنظمة القوية أن تستسلم لها.
ويقيني أن هناك مواطنون شرفاء يخدمون هذا الوطن بإخلاص ويرجون له الخير فلاينبغي أن نظلمهم بخطاب التعميم الجائر والطارد.!
وأتمنى أن نشاهد في القريب العاجل بالأفعال لا بالأقوال تعاطيا جديا مع الفساد ومتحوراته من زبونية ومحسوبية.
د.اسلم الطالب أعبيدي