محمدن إسلم المختار /كاتب صحفي
كانت عبارة "آريغاتو غوزايماس" أول ما تعلمته من اللغة اليابانية التي مازلت مبتدئا فيها، لكنها لم تكن مجرد تعبير عن الشكر، بل كانت مدخلاً إلى فهم عمق الثقافة اليابانية وروحها القائمة على الاحترام والتقدير.
إنها عبارة تعلمتها قبل سفري إلى اليابان لكنني تعلمت سرها وحقيقتها بعد وصولي إلى هناك. في أغسطس الماضي، أتيحت لي فرصة المشاركة في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا(تيكاد) في نسخته التاسعة في مدينة يوكوهاما اليابانية، وهي تجربة تركت في نفسي أثرًا عميقًا. منذ لحظة وصولي، كنت أسمع هذه العبارة في كل مكان: في المطار، في الفنادق، في المقاهي، وفي المواقف اليومية البسيطة، مع انحناءة صادقة تجسد المعنى الفعلي لهذه العبارة التي تفيض بمعاني الاعتراف بالجميل.
وقد أدركت سريعًا أنها ليست مجرد كلمة عابرة، بل رمز لأسلوب حياةٍ يقوم على الاحترام المتبادل والتواضع. في اليابان، الشكر ليس شكلاً من أشكال المجاملة فحسب، بل هو تعبير عن وعيٍ عميقٍ بجهد الآخر وتقديرٍ صادقٍ لكل ما يقدمه. فالياباني يشكر حتى على أبسط الخدمات، ويعبّر عن امتنانه بابتسامةٍ هادئة تحمل معنى الاحترام قبل الكلمات نفسها. هذه الثقافة تجعل من التقدير عادةً يومية، ومن الامتنان قيمةً إنسانيةً راسخة.
لقد وجدت في عبارة "آريغاتو غوزايماس" انعكاسًا لقيمٍ أؤمن بها منذ زمن، فالشكر في جوهره تربيةٌ على التواضع وإقرارٌ بفضل الآخرين علينا.
وهي أيضًا رسالة تدعو إلى نشر ثقافة التقدير في مجتمعاتنا، لتصبح العلاقات الإنسانية أكثر دفئًا وصفاءً. اليوم، وأنا أستعيد تفاصيل رحلتي إلى اليابان، أدرك أن هذه الكلمة كانت أعمق من أي درسٍ لغوي.
لقد كانت بداية لاكتشاف حضارةٍ تحترم الإنسان وتقدّر كل لحظة من حياته. آريغاتو غوزايماس.. كلمة تختصر ثقافة اليابان المستمدة من الحب والتقدير والصفاء والوفاء.