القصطلاني إبراهيم
طلعت علينا محكمة الحسابات بتقريرها الذي كشف المستور و أعاد إلى الأذهان ضرورة محاربة الفساد و التي هي أولوية الأولويات في بلد غني بثروته فقير بتسيرها.
و شكل ذلك التقرير مادة دسمة لرواد الفيسبوك، الذين يصنعون من الحبة قبة، أحرى إذا جاءتهم قبة!
و الحقيقة أن تناول عالم الفيسبوك للأحداث سلبي في أغلب أحواله، حيث أنه يأخذ القشور و يترك البذور، و يهتم أكثر بعنصر الإثارة لا بمضمون العبارة، لذلك تراهم يتتبعون الأشخاص و إنتماءاتهم، و يتلاعبون بالأرقام دون أن تكون لهم خلفية عن حقيقة الأمور.
أما السياسيون فأغلبهم يهتمون فقط بما يخدم مصالحهم الخاصة و يتناغمون مع ما يخدمهم من صيحات الفيسبوكيين الصاخبة، دون أن يزنوا الأمور بميزانها و يواكبوا الأحداث بعقولهم و تجاربهم المعتبرة.
لقد مضت الخمسية الأولى من حكم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، و كانت أمامها تحدياتها كبيرة و كثيرة، حيث واجه النظام الحالي صعوبة الإنسلاخ من نظام سابق يعتمد على رئيس سابق رفض بشكل قوي الإبتعاد عن المشهد السياسي و حاول جاهدا أن يضغط قدر المستطاع لتثبيت وجوده، الأمر الذي أدى إلى أزمة سياسية صعبة، شكلت عائقا أمام النظام الحالي، بالإضافة إلى وحش كورونا المهول، و حرب أوكرانيا و الروس، و التي شكلت عائقا هي الأخرى.
و لقد تعامل النظام الحالي ممثلا في فخامة رئيس الجمهورية مع تلك الأزمات بفطنة و هدوء و حكمة، و انتهج مقاربة تنموية جعلت الأمن و الإستقرار اولويتها، إذ لا تنمية دون أمن و استقرار.
و بعد تجاوز تلك التحديات بنحاح، حمل النظام الحالي المسؤولين أمانتهم،و وضعهم أمام مسؤولياتهم و تكفل لهم بتوفير احتياجاتهم و تمكبنهم من كل ما من شأنه أن يحقق الأهداف المنوطة بهم.
و كان خطاب رئيس الجمهورية في مناسبات عدة يحمل رسائل واضحة تضع الجميع حكومة و معارضة في ميزان واحد، فالبلد بحاجة لكل فرد فيه مهما تكن توجهاته السياسية، حتى أن بعض خطاباته جعلت محللين سياسيين يعتبرونها أقرب لخطاب زعيم المعارضة من خطاب من يفترض فيه أن يكون زعبم الموالاة، و ماذاك إلا لحرص فخامة رئيس الجمهورية على تبديد الشحنة السلبية التي تشكل أستقطابا حادا بين السياسيين تضيع فيه مصالح البلد
و الآن و بعد إنتهاء الخمسية الأولى، دخل النظام الحالي في مرحلة جدبدة و جاء تقرير محكمة الحسابات ليعيد للمشهد بقوة ضرورة محاربة الفساد، و ليقف رئيس الجمهورية مذكرا الجميع بما ألزمهم به، و يقول بالحرف الواحد و بصرامة، أن أي،شخص ورد اسمه في تقرير محكمة الحسابات سيغادر منصبه حتى يحاكم و يتبين أمره، ثم يأتي التنفيذ لما قال بشكل سريع و مباشر دون تمييز و لا تأخير.
هذا القرار و هذا التفاعل يشكل لحظة تحول في التعامل مع الممارسات المخلة في تسيير الميزانيات و التي هي المحطة الأهم التي تغذي الفساد،
و لعله إنذار أخير و بداية محطة جديدة، سبقها الكثير من التمهل و الإنتظار.
إن محاربة الفساد ليست مجرد أيقونة سياسية يرددها الموالون دون التناغم مع حقيقتها، و لا فزاعة يستخدها المعارضون كشعار سرمدي يتبنونه و يحتكرونه لأنفسهم و تمنعهم مواقفهم السياسية من قول نعم للسلطة التنفيذية لما تضع يدها على مكان الخلل و تعالجه.
الفساد عدو الجميع و محاربته هدف الجميع معارضة و موالاة و الإصلاح هدف الجميع و مؤازرته مطلوبة من الجميع.
و لعل هذا القرار و الإجراءات التي تبعته، بارقة أمل جديدة، عنوانها الكفاءة و الرقابة الجادة و الإصلاح المتواصل، و تفتح بابا جديدا لكل من يريد لبلده موريتانيا أن يتغير إلى الأفضل و يواكب التطور السريع و المذهل الذي يعيشه عالمنا اليوم.
فلنواكب المرحلة و نحاول أن نتحرر من عقدة المعارضة و المولاة حين يكون الأمر يتعلق بقضية محورية تلامس واقع المجتمع و مستقبل الوطن، و تشكل تحديا و ضرورة ملحة، و على كل مواطن أن يراقب أداء المسؤولين ويرفض الرشوة والمحسوبية ليساهم في نجاح محاربة الفساد التي تحتاجنا جميعا.