يسود في بعض مناطق شمال اليابان شعور بالذعر من هجمات الدببة التي يتعرض لها السكان، ما حدا ببعضهم إلى تعليق أجراس على حقائبهم كي يبعدوا بصوتها هذه الحيوانات، بينما تدعو لافتات الناس إلى توخّي الحذر.
فمنذ نيسان/أبريل الفائت، أودت هجمات هذه الحيوانات بحياة 13 شخصًا في مختلف أنحاء اليابان، وهو رقم قياسي، وتكثر الأنباء عن دخول الدببة إلى المنازل، وتجولها قرب المدارس، واجتياحها المتاجر الكبرى.
وتفيد البيانات الرسمية بأن عدد الجرحى قد يبلغ رقمًا قياسيًا، إذ تجاوز المئة من نيسان/أبريل حتى أيلول/سبتمبر.
ويقول الصياد التقليدي كاكيرو ماتسوهاشي، البالغ 28 عامًا، خلال جولة في إحدى غابات محافظة أكيتا الشمالية متسلحًا بسكينه: «نسمع أخبارًا كل يوم تقريبًا عن تعرّض أشخاص للهجوم أو الإصابة».
وبلغ عدد القتلى بهجمات دببة قبل خمسة أشهر من انتهاء هذه السنة ضعف الرقم القياسي السابق المسجّل في 2023-2024.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت اليابان أحد أعلى معدلات الهجمات القاتلة للدببة على مستوى العالم.
وعاش كيجي ميناتويا، من سكان منطقة أكيتا، التجربة شخصيًا عام 2023، عندما هاجمه دب في مرأبه، وطرحه أرضًا وعضّه في وجهه، لكنّ الرجل البالغ 68 عامًا تمكّن من الفرار والاحتماء داخل منزله.
وتبذل الحكومة في الوقت الراهن جهودًا حثيثة لمعالجة مشكلة تكاثر الهجمات. ونشرت السلطات وحدات عسكرية لتقديم المساعدة اللوجستية في نصب أفخاخ لاصطياد الدببة، بينما ستُعطى شرطة مكافحة الشغب تعليمات باستخدام البنادق لإطلاق النار على هذه الحيوانات التي يمكن أن يزِن الواحد منها نصف طن.
اكتظاظ بالدببة
ويرى الخبراء أن المشكلة الرئيسية تتمثّل في الزيادة الكبيرة لأعداد الدببة التي تنمو بسرعة بسبب وفرة الغذاء، ومنها البلوط والغزلان والخنازير البرية، بفعل الاحترار المناخي.
فعدد الدببة البنية في اليابان تضاعف خلال ثلاثة عقود، ليصل راهنًا إلى نحو 12 ألفًا، بينما ارتفع عدد الدببة السوداء الآسيوية في جزيرة هونشو الرئيسية إلى 42 ألفًا، وفقًا لتقرير حكومي حديث.
ويلاحظ الباحث في «معهد أبحاث الغابات ومنتجاتها» ناوكي أونيشي أن بعض الجبال أصبحت «مكتظّة».
ويقول: «ببساطة، تجاوز حجم الدببة قدرة الجبال على استيعابها».
ومع أن ارتفاع درجات الحرارة أدّى إلى زيادة محاصيل البلوط، غير أنّها في دورة إنتاجها الطبيعية لا تكون وفيرة إلا مرة كل سنتين إلى خمس سنوات. وهذه السنة، كما في عام 2023، كان المحصول ضعيفًا.
البحث عن الغذاء
ورغم بقاء معظم الدببة في الجبال، دفع ضعف المحاصيل الأخيرة بعضها إلى التجوّل مع صغارها في المدن بحثًا عن الغذاء، على ما يُفيد الأستاذ في جامعة طوكيو للزراعة والتكنولوجيا شينسوكي كويكي.
ويُضيف كويكي أن صغار الدببة تصبح أقل خوفًا بفعل احتكاكها بالبشر، وتستسيغ المنتجات الزراعية والفواكه غير البرية.
كذلك أدّى النزوح السكاني المستمر من المناطق الريفية بسبب الانخفاض المزمن لمعدل المواليد وانتقال الشباب إلى المدن، إلى تقليل الوجود البشري على تخوم الغابات والجبال، مما أدى إلى طمس الحدود التقليدية بين البشر والدببة.
ويقول أونيشي: «موائل الدببة اقتربت من مناطق سكن البشر».
نشهد كارثة
ويقول أستاذ طب الطوارئ والحالات الحرجة في مستشفى جامعة أكيتا، هاجيمي ناكاي، إن كثرة مشاهدة الدببة جعلته يشعر وكأنه يعيش «داخل... حديقة سفاري للدببة».
ويلاحظ الطبيب الذي يتولى منذ ثلاثة عقود معالجة الإصابات الناجمة عن هجمات الدببة أن طبيعة الجروح كانت تتغير مع تراجع خوف الدببة من البشر.
فقبل سنوات، كان الدب المذعور يضرب إنسانًا على وجهه مثلًا ثم لا يلبث أن يولّي هاربًا، أما اليوم فهو «ينقضّ على الضحية».
ويتوقّع أن تزداد الإصابات الناتجة من الدببة وتمتد إلى مناطق أخرى من اليابان في حال عدم التحرّك بفاعلية لوضع حد للظاهرة، مضيفًا: «نحن نشهد كارثة».
الإعدام الشامل
ويرى الباحث أونيشي أن «الإعدام الشامل» لتقليل أعداد الدببة هو السبيل الوحيد الفاعل.
وأضافت السلطات العام الفائت الدببة إلى قائمة الحيوانات المطلوب ضبط أعدادها، خلافًا للتوجّه الحكومي السابق بحماية هذه الحيوانات، مما أدى إلى نمو أعدادها.
لكنّ عدد الصيادين أصبح اليوم أقل من نصف ما كان عليه عام 1980.
وتشير أحدث البيانات الإحصائية إلى أن عدد الصيادين أصبح نحو 220 ألفًا اعتبارًا من عام 2020، معظمهم في الستينات من العمر أو أكبر.
وأعدمت اليابان أكثر من تسعة آلاف دب في 2023-2024، وأكثر من 4200 بين نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر من السنة الجارية، من بينها ألف حتى الآن في أكيتا وحدها.
ولكن في المستقبل القريب، يُفترض أن يهدأ الوضع، وأن ترتاح اليابان من مخاوفها، ولو مؤقتًا.
فالخبيران كويكي وأونيشي يؤكّدان أن أنماط السبات لم تتغير، وأن الدببة ستنام قريبًا خلال فصل الشتاء.