التوفيق سيدي بكاري
للنسيج القبلي في موريتانيا أدوار اجتماعية إيجابية لا يمكن إنكارها، فقد ساهمت القبائل على مدى التاريخ في تعزيز روح التكافل والتضامن، وسد النقص في بعض الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمواكبة الاجتماعية، خاصة في المناطق النائية.
غير أن تحويل القبيلة إلى وسيلة نفوذ سياسي أو أداة للحصول على المناصب الإدارية بات يشكل خطرًا حقيقيًا على مفهوم الدولة الحديثة، ويقوض أسس العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
لقد أصبح من الملاحظ أن ضعف الأحزاب السياسية وغياب البرامج التنموية الواضحة جعلا من القبيلة والجهة والفئة بدائل مشوهة للحياة السياسية، حيث أُقصيت الكفاءات الحقيقية لحساب الولاءات الضيقة.
وهذا الواقع المؤسف انعكس سلبًا على أبناء المدن الكبرى، الذين نشأوا في بيئة مدنية وتربوا على قيم العمل والانفتاح والجدارة، فوجد كثير منهم أنفسهم ضحايا لنظام تعيينات يقوم على الولاء القبلي لا على الكفاءة.
لقد حُرم هؤلاء من الولوج إلى المناصب السامية رغم ما يملكون من مؤهلات عالية، الأمر الذي دفع بالكثير منهم إلى الهجرة خارج الوطن بحثًا عن بيئة تُقدّر جهودهم، بينما اضطر بعضهم إلى الانخراط مجددًا في الإطار القبلي بحثًا عن اعترافٍ مفقود، فيما بقي آخرون صامدين كالقابضين على الجمر، مؤمنين بأن بناء الدولة لا يكون إلا على أساس المواطنة والاستحقاق لا الانتماء.
إن أخطر ما يمكن أن يواجهه وطنٌ يسعى للنهوض هو استمرار منطق التعيينات والولاءات القبلية والجهوية، لأنه يقتل روح الكفاءة ويزرع الإحباط في نفوس الشباب، ويهدد وحدة المجتمع ويضعف ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
وفي هذا الإطار، فإن التوجه الوطني الذي يقوده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يمثل خطوة حاسمة لوضع سكة البلد على المسار الصحيح نحو التقدم والتألق والازدهار الذي يحلم به كل المواطنين المخلصين.
فهذا التوجه الإصلاحي الرصين يهدف إلى إرساء دولة المواطنة والعدالة والإنصاف، وتحرير التعيينات من كل أشكال المحسوبية والانتماء الضيق، حتى يُفتح الباب أمام الكفاءات الوطنية لتخدم وطنها من المواقع التي تستحقها.
إن المرحلة الراهنة تتطلب وعيًا وطنيًا جديدًا يعيد الاعتبار للكفاءة ويحرر مؤسسات الدولة من قيود الانتماء، حتى تعود الوظيفة العمومية مجالًا للتنافس الشريف، وتبقى القبيلة إطارًا اجتماعيًا للتضامن لا وسيلةً للنفوذ والتمييز.