القارة الإفريقية ذات موقع استراتيجي دولي، حباها الله بموارد طبيعية هائلة..تكالبت عليها القوى الدولية وتعيش صراعات مزمنة تعددت أسبابها من استعماري خارجي، وديكتاتوي داخلي، وعرقي وفئوي.
تفاءلت القارة باستنساخ كلمة الاتحاد على الطريقة الأوروبية؛ لكنها فشلت لأن عوامل الوحدة الأوروبية مفقودة من ديمقراطية متينة، ورفع للإشكالات التنموية، كما أن اعتماد الاتحاد على التبادل البيني الضعيف والاستثمارات الخارجية بقيت عوامل كبح لازدهاره.
يضاف لما سبق؛ وجود نخبة عسكرية وسياسية لم تعرف معنى الوطن يوما، ولم تضح من أجله خارج حلبة التسبيح بحمد الحاكم.
في ظل الأجواء القاتمة في القارة "الجديد نيوز" يستضيف لكم إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا لتفكيك ملامح هذه الصورة المشوشة.
الجديد نيوز: تعيش منطقة غرب إفريقيا على وقع عدم الاستقرار في بعض دولها، إضافة إلى تكالب القوى الكبرى على القارة.
ما هي الأسباب في نظركم؟
غرب إفريقيا فضاء من أزيد من 300 مليون مستهلك، وعشرات الموانئ على الأطلسي؛ كما أنه ذروة مايسمى بجنوب الصحراء وسنام منطقة الساحل، هذه عوامل جذب للباحثين عن أسواق نفوذ وتربح من خارج القارة؛ فضلا عن ما يمكن أن نسميه تصدير الاحتكاكات كما يحدث بين فرنسا وروسيا في أوكرانيا وتصدير غيمة منه إلى دول الساحل الثلاث.
الجديد نيوز: يلاحظ أن النفوذ الفرنسي بدأ يتراجع بشكل سريع في منطقة غرب إفريقيا. ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
فرنسا لم تعد قادرة على إقناع النخبة الحاكمة في إفريقيا على الارتباط السياسي المجاني؛ لأنها دأبت على علاقة أفقية بين ساستها وساسة المنطقة دون حساب لما يقوم به الحكام من استبداد سياسي وفساد مالي وإداري؛ مما خلق حالة من الرفض لدى الحكام الجدد والديناميكيات البديلة للحالة الفرنسية في إفريقيا؛ ومع مرور الوقت انكمشت النخبة الفرنسية على ذاتها وغرقت في ثمار ماضيها الامبريالي دون الاكتراث بالامبريالية الجديدة غير المباشرة ومآلاتها. فصارت مكروهة رسميا بعد أن استكرهت الشعوب فكرهوها؛ خصوصا مع تساوق مواقف فرنسا مع الغرب الداعم للقضايا غير الملهمة إفريقيا. ووجود عداء روسي غربي صارت إفريقيا بجرة قلم أحد أهم مسارحه. كما أن إفريقيا وفرنسا لم تعودا كما كانتا.
الجديد نيوز: التكتلات الإقليمية في القارة الإفريقية تعاني من التصدع (تفكك مجموعة دول الساحل ـ انسحابات من منظمة غرب إفريقيا) ما هي العوامل التي أدت لضعف هذه التكتلات؟
هناك استنساخات للحالة الأوروبية الوحدوية ليست هذه التكتلات مؤهلة لها؛ فلا الديمقراطية بتلك المتانة ولا الإشكال التنموي تم رفعه؛ مما يعني بالضرورة فشل الدول مجتمعة في ترضية الشعوب مجتمعة. رغم نجاح بعض هذه التكتلات في مناح عدة من أسباب وجودها. لكن النخب الحاكمة وعدم انسجامها فيما بينها ينعكس على الدول والشعوب بالضرورة.
الجديد نيوز: الاتحاد الإفريقي لم ينجح في لجم الانقلابات والنزاعات والتدخلات الأجنبية بالقارة. فلماذا فشل في التصدي لهذه الثلاثية؟
لا يمكن للاتحاد الإفريقي أن ينجح مالم يتجاوز عقدة التبادل البيني الضعيف أصلا، ومالم يتغلب على البون الشاسع في المؤشرات الاقتصادية بين مكوناته؛ لذلك فإن المفارقات بحد ذاتها كعدم اعتراف المغرب بالجمهورية الصحراوية وتربع جنوب إفريقيا على نصف الناتج الخام لكل دول الاتحاد ونصف الاستثمارات الخارجية للاتحاد؛ هي عامل هدم وكبح وتآكل للتكتل القاري.
الجديد نيوز: دولة مالي تعرف تدخلا أجنبيا كبيرا وصراعات داخلية مزمنة، كيف ترون مستقبل الاستقرار السياسي في هذا البلد؟
دولة مالي تعاني من معضلة التعايش بين الساسة والسياسة بشكل مزمن مما أجل علاج معضلات أهم؛ والقرار السياسي والأمني المركزي مترنح ترنح كرسي الرئاسة نفسه. مما أضعف الدولة وسطوتها وهيبتها وجعل أعزة أهلها أذلة؛ وبدون حكامة قوية مستنيرة ومتشاور عليها فالدولة في مهب التفكك.
الجديد نيوز: مع تصاعد الصراع في مالي مؤخرا، ونحن نرتبط معها بحدود برية طويلة، هل أصبح هذا الصراع يشكل خطرا على بلادنا وما هي مقترحاتكم لتجنب تبعاته؟
مشاكل الجار هي مشاكلك بالضرورة؛ ونحن نؤوي المعضلة المالية بكل تفاصيلها منذ السبعينيات سلما وحربا.
طول الحدود المشتركة وكونها سهلة التضاريس نسبيا يجعلنا جيرانا في السلم والحرب والضرر والمنفعة.
إن ازداد القرار الدبلوماسي في موريتانيا قدرة على الاستباق والوساطة؛ وازداد القرار الأمني والعسكري يقظة واقتدارا؛ وتقربنا أكثر من تكتل دول الساحل الثلاث قدنتجنب الغياب ونخلق فعلا موريتانيا حصيفا في وطن جار.
الجديد نيوز: منطقة الساحل الإفريقي تعاني صراعات مسلحة ونفوذ جماعات توصف بأنها متشددة مع نشاط لعصابات التهريب. ما الأسباب الأخرى لتنامي عدم الاستقرار بهذا المنطقة؟
أم المعضلات في الساحل هي تخريب ليبيا وفشل السلطة السياسية في مالي في إطفاء نار أزواد الخمسينية وشرر التطرف العنيف في الجزائر الذي تطاير نحو مالي؛ كما أن التدخل الغربي في شبه المنطقة أضفى زخما على كل هذا الكشكول. مما جعل الحالة في الساحل صالحة للتفشي؛ خصوصا واننا نتحدث عن أوطان خبال يعيش فيها الناس خيبات متكررة من الدولة الوطنية.
الجديد نيوز: تسود صراعات عديدة في دول إفريقة كالسودان وليبيا ومالي، ولم تنجح المبادرات المختلفة لوقف هذه الحروب. بحسب رأيكم ما هي أسباب ذلك؟
السبب الأول هو غياب الحوار والتدخل الأجنبي وتزايد طموح الدول الغنية غير الامبريالية؛ مع وجود نخبة عسكرية وسياسية لم تعرف معنى الوطن يوما ولم تضح من أجله خارج حلبة التسبيح بحمد الحاكم.
الجديد نيوز: بوصفكم خبيرا في الشأن الإفريقي، كيف تقيمون رئاسة موريتانيا الحالية للمنظمة؟
رتيبة وعادية جدا؛ حيث لم تفلح في تحريك الملف في الصحراء الغربية الذي تعاني منه حدودها ولم تسكت المدافع في الكونغو الديمقراطية ولا السودان وليبيا الشقيقتين وتركت المسارات الأممية كما كانت في القارة ولم تخلق ديناميكية جديدة لحل النزاعات بل ركزت على العلاقات مع الآخر غير الإفريقي .
الجديد نيوز: في ظل ما تعيشه القارة من صراعات وانقلابات وتدخل خارجي. كيف ترون ملامح هذه القارة مستقبلا؟
متأكد من حتمية الديقراطية في القارة واتحاد الشعوب؛ ومن وجود مستقبل للقارة في تكتلها وتكتلها فقط؛ وستستفيق الشعوب يوما حين تخمد المدافع وتظهر زعامات شرعية وطنية قادرة على جمع الصوت الإفريقي وإلهام النخب.
الجديد نيوز: مع دخول مجموعة فاغنر في عدة دول بغرب إفريقيا ومنطقة الساحل. هل تعتقدون بأن لهذه المجموعة أطماعا توسعة خاصة في منطقة الساحل؟
لها أطماع بكل تأكيد وهي ليست مجرد مرتزقة مدفوعة الأجر؛ لكن ظروفا جاءت بها وستنمو كلما نمت تلك الأسباب. بل هي أيضا تعبير عن حالة إفريقية رافضة للشرطي الغربي الذي يأتي باستئذان وبدون استئذان.