الإعلامية ميمة بنت محمد أحمد لـ "الجديد نيوز" : حضور قضايا المرأة بالإعلام الوطني دون المستوى المطلوب

 

ضيفتنا في هذه المقابلة إعلامية مشهورة، عملت رئيسة تحرير بالتلفزيون الوطني.

 

دخلت الإعلام تلبية لنداء بداخلها كان يدعوها لترك بصمة في الحياة .

 

ضيفتنا مثقفة وحاصلة على عدة شهادات جامعية وتكوينات في مجال المهنة .

 

ترى أن النجاح في الصحافة يتطلب الشغف بها، والقر ب من الناس وشواغلهم .

 

تقول ضيفتنا إن بيئة العمل الإعلامي في بلادنا مازالت تهيمن عليها عقلية المجتمع، مع نظرة ريبة للإعلامية مقابل حرية مطلقة لزميلها.

 

وتؤكد أن الساحة الإعلامية الوطنية تعرف مكتسبات وتحديات: فتعدد الوسائل مكسب يترجم حرية الإعلام، وقو ة الوسائط الرقمية تَحدّ يطيح بضوابط المهنة وأخلاقيات النشر.

 

ضيفنا نقابية إعلامية، تؤكد أن حضورقضايا المرأة في الإعلام الوطني مايزال دون المستوى المطلوب، وتدعو لإنشاء هيئة لمراقبة الإنتاج الدرامي المحلي لعدم المساس بحقوق النساء.

 

ضيفتنا تؤكد أن كلما سوى المستوى العلمي والديني والأخلاقي لدى المقدمة التلفزيونية ليس رصيدا يعتدّ به، وإنما هو زائل مع مرور الأيام .

 

نصّ المقابلة


الجديد نيوز:  مسيرتكم الإعلامية الوطنية حافلة؛ هل بإمكانكم إدارة شريط الذكريات لمراحل البدايات ؟


التحقت  بالإعلام تلبية لنداء ذاتي، كان يدعوني باستمرار أن أكون أنا، و أن تكون لي بصمة في الحياة، هذا النداء ظل يراودني باستمرار، استجابة له أكملت تعليمي بمراحله كلّها حتى المستوى  الجامعي و حصلت على "المتريز" في القنون الخاص ماستر في الحضارة و الإعلام.


قاومت  صعوبات و أعباء اجتماعية كان علي أن  أواجهها في مرحلة مبكرة.


التحقت  بالتلفزيون الوطني سنة 2007 و أظن أنه مما ساعدني كثيرا في عملي كصحفية،  هواية المطالعة خصوصا مطالعة الجرائد و المجلات، و رغبة دائمة في  البحث عن الحقيقة، و استجلاء حقيقة الوقائع والأحداث،  لأبني على ذلك  آرائي و قناعاتي .


 تم  توجيهي إلى قطاع (الأخبار) و به خضعت  لاختبار التحرير و الإلقاء، و بعد فترة تدريب أنجزت أول تقرير في نشرة الواحدة زوالا  كان ضمن نشرة الأخبار الدولية .


لاحقا تدربت على التقديم التلفزيوني، لكني صرفت عنه نظرا  طاعة لوالدي، و واصلت مع إنجاز التقارير و الملفات الإخبارية الميدانية.

 

عملت دائما على الاستفادة من التكوينات على المستوى الوطني و خارج موريتانيا، فضلا عن ما تتيحه شبكة الإنترنت، و كان من أبرز التكوينات التي شاركت فيها أول دورة تكوينية نظمتها المدرسة الوطنية للإدارة و الصحافة و القضاء، و قد كرمتني على إثرها إدارة التلفزة مشكورة  إثر تصدري للمجموعة التي ضمت مشاركين من مختلف المؤسسات الإعلامية العمومية و الخاصة.

 

 كما حصلت ـ أيضاـ  على جائزة أطوار بهجت 2023 التي ينظمها منتدى الإعلاميات العراقيات سنويا.


الجديد نيوز: الحقل الإعلامي في موريتانيا يسيطر عليه الرجال؛ كيف كانت صعوبات العمل وتعاملك مع أجوائه ؟


بالنسبة لي يتطلب العمل في الإعلام شغفا بجوهر المهنة، و القرب من الناس، بهمومهم و شواغلهم بمختلف مستوياتها، و محاولة أن نبقي نبض التواصل حيا  بين مختلف فئات الجمهور  سعيا لإحداث التغيير.


بالتأكيد أن بيئة العمل تهيمن عليها العقليات المجتمعية، و هي تنظر غالبا لعمل المرأة بشيء من الريبة خلافا للرجل الذي يمنحه المجتمع بطاقة العبور دون عناء. لذلك تضطر المرأة  لبذل جهد مضاعف لإثبات حقها في العمل و انتزاع الاعتراف بقدراتها، و هي دائما في حالة صراع مع زملاء تستبطنهم الصورة النمطية للمرأة.


لا شك أن المسألة تنطوي على تضحية و إصرار كبيرين،  في مواجهة الكثير من الضغوط و المغريات التي قد تدفع بعض الزميلات إلى الركون  لمهام قد لا تناسب قدراتهن و تطلعاتهن.

 
الجديد نيوز: عُيّنت أول رئيسة تحرير بالتلفزيون الرسمي، كيف كان تفاعلك مع هذه الترقية، وماهي أبرز الصعوبات؟


مثلت لي رئاسة التحرير تحديا كبيرا، رغم أننا نتخذ في حياتنا اليومية و في عملنا قرارات مختلفة، لكن قرار رئيسة التحرير كان أمرا مختلفا،  كانت سابقة في التلفزيون الوطني، شعرت أن كل مساري المهني وضع على المِحَكّ، و أني أمام تجربة إما أن ترفعني درجات، أو تعصف بكل ما تعبت لأجل تحقيقه. 

 

 وضعت أمام خيار أن أؤدي مهمتي كرئيسة تحرير، أو أن أتمتع بامتيازات المنصب و أؤدي أعمالا أخرى فاخترت التحدي.


تحملت نظرات الشك و محاولات الاستفزاز، الحمد لله واصلت و وصلت.


الجديد نيوز: تترأسون اتحاد إعلاميات موريتانيا، وهو هيئة نقابية خاصة "بنون النسوة" ماهي دواعي التأسيس والمنجزات ؟


تأسيس اتحاد إعلاميات موريتانيا 6 ـ7 ـ2010  هو   تلبية لحاجة ماسة لإطار يجمع العاملات في وسائل الإعلام بمختلف وظائفهن، بغية مناقشة التحديات التي تواجههن في ميادين العمل، و توحيد الجهود لرفع الغبن و عدم الإنصاف. 

 

 و في هذا الإطار كان من بدايات أنشطتنا تنظيم حملة لرفع نسبة الإعلاميات في مراكز القرار، و قد نجحت هذه الحملة في كسر الحاجز أمام تعيين  سيدات على رأس مؤسسات إعلامية عمومية، و عملنا على المتابعة و التنبيه على تقدم النساء في السلم الوظفي داخل المؤسسات، و كذلك على توعية زميلاتنا  الإعلاميات بضرورة المطالبة بحقوقهن و الدفاع عنها، فضلا عن رفع قدراتهن من خلال التكوين و التدريب، عبر دورات تكوينية مستمرة تواكب كل مستجد في مجال الإعلام، و كان آخرها التكوين حول الإعلام الرقمي و  الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع "منظمة اليونسكو" التي تشكل بالإضافة إلى الشركاء الوطنيين أحد أهم الداعمين لاتحادنا.


  على مستوى حضور قضايا المرأة في المنتج الإعلامي اعتمد اتحاد إعلاميات موريتانيا  مقاربة تجمع بين التوعية و التكوين، فمن جهة نظمنا العديد من اللقاءات و الندوات لتشخيص واقع المعالجة الإعلامية لقضايا المرأة في إعلامنا الوطني، و على مستوى التكوين نظمنا العديد من الدورات التكوينية في هذا المجال، و عملنا على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، و تعتبر جائزة الناها منت سيدي للإعلام وقضايا المرأة تتويجا لرؤية منظمتنا و تصميمها على  معالجة أفضل لقضايا المرأة، انطلاقا من إدراكنا لدور الإعلام في تغيير العقليات، و محاربة الأفكار و المسلكيات التي تعيق مشاركة المرأة و تحد من عطائها.


استطعنا ربط الصلة مع الإعلاميات في محيطنا العربي و الافريقي من خلال المشاركة الفاعلة  في الملتقيات و المؤتمرات.


الجديد نيوز: طالبتم في أكثر من مرة برفع التحديات عن المرأة الإعلامية في القطاعين: العام والخاص ماهي أهمها ؟


يجب أن ننطلق من حقيقة أن عمل المرأة و مشاركتها ليست ترفا بل ضرورة تقضتضيها تنمية البلد.

 

 يجب أن نكون واقعيين، فالدولة  لا تميز في التعليم بين الولد و البنت، و لا ينبغي أن تميز بينهما في فرص العمل و تولي مراكز المسؤولية، المرأة الموريتانية لم تكن يوما خارج محور الإنتاج و الفاعلية. و ما نشاهده من تغييب للإعلاميات عن مراكز القرار ينبئ عن خلل في تقدير حقهن و استثمار كفاءتهن. 


يجب العمل على ردم فجوة  الفرص بين الإعلاميين و الإعلاميات و فتح الباب أماهن لتقلد مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية و قطاع الإعلام بشكل عام.


ولا بد ـ أيضاـ  من الإشارة إلى أن بيئة العمل يجب تمكين المرأة الإعلامية من حقها في العمل بكرامة، بما يشمل توفير عقود العمل و ضمان بيئة تحترم خصوصيتها و تمنحها الحماية و الأمان... 


الجديد نيوز: أشرتم في مداخلة سابقة لكم إلى مكابح تعيق تقدم المرأة بشكل عام، وعمل الإعلامية بشكل خاص ماهي أبرزها ؟


لا بد أن أكرر هنا أن أبرز المكابح يتلخص في عدم إيفاء المرأة الإعلامية حقها و عدم  الاعتراف بعطائها، أضف إلى ذلك أن التقدم على المسار يتطلب تطوير الخبرات و تنويع التجارب، و هذه مسؤولية تقع بالأساس على المؤسسة، لكن ما يحدث أن فرص التكوين و المهام تمنح للرجال دون النساء، و لا أنكر هنا مسؤولية الإعلامية، لأن بعض وسائل التكوين أصبحت في المتناول بفضل الاتصال الرقمي.


الإعلام كما يُعرّف مهنة المتاعب، فهو ليس وظيفة نؤديها في وقت محدد، ففي قاموس الإعلام لا مكان لعبارة أوقات الدوام؛ بمعنى أن المشتغل بهذه المهنة يبقى على اتصال دائم بحيثيات العمل، و هو ما قد يمثل عبئا إضافيا على كاهل المرأة الإعلامية، بسبب المسؤوليات الاجتماعية، و متابعة تربية الأبناء وشؤون البيت، التي ما يزال الرجل عندنا يعتبرها من خصوصيات المرأة، في حين ينبغي التعاون و التشارك في أداء الواجبات و مختلف أعباء الحياة. 


الجديد نيوز: الإعلام له دور مهم فى صياغة الآراء و توجيه العقول، كيف تقيمون مساهمة الإعلام الوطني في ذلك؟


لا شك أن الإعلام الوطني منذ نشأته لعب دورا كبيرا في الإخبار و التثقيف والترفيه و التوجيه، و ظل محافظا و إن بدرجات متفاوتة حسب المحطات و التحولات التاريخية للبلد على روح و جوهر الرسالة الاعلامية، فكلنا يدرك دور وسائل الإعلام العمومية في ربط ربوع الوطن، و  غرس قيّم الدولة الحديثة، و توطيد اللحمة الوطنية بين مكونات الشعب في قالب يطبعه الكثيرمن  المهنية و المسؤولية.


و لا شك أن لتعدد وسائل الإعلام و قوة الوسائط الرقمية  مكتسبات و تحديات، فهي من جهة ترجمة لحرية الإعلام لكنها في المقابل تطيح بضوابط و أخلاقيات النشر، و هذا الواقع يتطلب ضرورة توعية و تثقيف الجمهور، الذي يأخذ دور المرسل و المتلقي  حول التعامل مع  هذه الوسائط. 


الجديد نيوز: المشهد الإعلامي الوطني يشهد ضبابية كبيرة؛ فالصحافة المكتوبة اندثرت والإلكترونية مُيّعت والسمعية البصرية لا تمتلك  الوسائل كيف نصلح هذا الواقع ؟


مشكلة الصحافة المكتوبة بدأت و استفحلت مع إغراق البلد بأعداد هائلة من المطبوعات، و بالمحصلة أعداد كبيرة من ممهتني الصحافة دون أن يربطهم بها وازع أو صلة، و نفس المشكلة حدثت مع المواقع الألكترونية و انتشرت ظاهرة القصّ و اللصق. و نحن الآن أمام تحد من نوع آخر لا  يتمثل في المنصات و الصفحات فحسب، بل في أن كل من أمسك هاتفا ذكيا لا يكتفي باستخدام الأَدَاة حسب هواه، بل يقدم نفسه و يقبله الجمهور على أنه إعلامي.


و هنا تضيع المهنة، و يتوارى سدنتها عن الأنظار خوفا من الوصمة،
هناك جهود لتنقية الحقل الصحفي  نرجو أن  ترى النور، و يكتب لها النحاح،  فربما تكون  نقطة البداية لإصلاح القطاع، و لا بد بموازاة ذلك  من الاهتمام بالوضعية المادية و المعنوية للصحفيين، بما يضمن أداء مهامهم بكرامة و حرية و أمان، فالصحافة ركيزة أساسية للدولة الديمقراطية و أداة لا غنى عنها للتنمية. 


الجديد نيوز: المرأة أكثر من نصف المجتمع، كيف ترون حضور قضاياها في الإعلام المحلي مع استثناء "قناة الأسرة" ؟


حضور قضايا المرأة في الإعلام الوطني دون المستوى المطلوب، فيكفي أن تتابع نشرة على إحدى قنوتاتنا لتدرك انعدام التوازن بين الصورة و الحقيقة، فالمرأة حاضرة في نبض الحياة مشاركة في الحياة بشموليتها و تفاصيلها، و من واجب الإعلام أن يكون مرآة عاكسة للحقيقة و يقدم النماذج المتقدمة،  و يبذل في سبيل ذلك من الجهد ما يستحقه تقديم الحقائق و معالجة الاختلالات .

  
الجديد نيوز: غالبا ما يقدم الإعلام في بلدان العالم الثالث صورا نمطية سلببية عن المرأة، كيف ترون تعاطي إعلامنا مع الموضوع ؟


للأسف رغم الجهود ما يزال بعض إعلامنا الوطني يكرس الصور النمطية السلبية للمرأة، سواء تعلق الأمر بالمرأة كمنتجة أو مقدمة للمادة الإعلامية، و في حضور القضايا و تغييبها أيضا، و قد كان من دواعي تأسيس جائزة الناها بنت سيدي تشجيع إنتاج إعلامي يعمل على محاربة الصور السلبية بدل إعادة إنتاجها.

 
الجديد نيوز: لا توجد صحافة نسائية رغم دخول الإعلاميات المجال مبكرا، بحسب رأيكم ماهي الأسباب؟


حقيقة  لا يوجد مفهوم موحد للصحافة النسائية هل تعني الصحف التي تهتم بقضايا المرأة بين قوسين البيت والماكياج إلخ، أم المواضيع الصحفية التي تنتجها المرأة.

 

 أعتقد أنه حسب المفهوم الأول تحافظ أغلب وسائل الإعلام على مساحة تضيق وتتسع حسب توجه الوسيلة و سياستها، و على مستوى المفهوم الثاني أي الصحافة التي تنتجها المرأة أرى أن المرأة حاضرة بجهدها لكن المعوقات التي أشرت إليها سابقا قد تساهم في تحجيم الحضور .


الجديد نيوز: ترى الكثيرات أن عامل الجمال كاف في التقديم التلفزيوني مارأيكم ؟


قضية شكل المذيعة أو مظهرها إشكالية  مطروحة عالميا،   فمدرسة الــ بي. بي . سي  ـ مثلاـ  تجاوز ت معيار الجمال كمحدد أولي للتقديم التلفزيوني، خلافا للمدرسة الأمريكية و من على شاكلها، لكن في كل الأحوال يجب أن تكون المذيعة على مستوى علمي و مهني، و أن تحافظ على القيم الدينية و المسؤولية الأخلاقية، فهذه قيم و رصيد يبقى للمذيعة و ماسواه حتما يوما ما سيزول.


الجديد نيوز: الصورة التي تقدمها الدراما المحلية للمرأة كيف تقيمونها عموما ؟


الإنتاج الدرامي المحلي قليل و غير منتظم، فحسب الجهة المنتجة يتم التعامل مع حضور المرأة سلبا أو إيجابا، و أرى من الضروري استحداث هيئة وطنية لمراقبة الإنتاج الدرامي، بما يضمن عدم المساس بحقوق النساء و محاربة العقليات الضارة.