رغم مزاعم واشنطن بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها ولاية قضائية، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، إلا أن غالبية الدول الكبرى أصبحت في جانب والولايات المتحدة وإسرائيل فقط في جانب آخر، وأصبحتا حالتين شاذتين على المستوى الغربي، بمعنى أنه لدينا دول غربية وازنة مثل فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، وكل الدول التي اعلنت احترامها للمحكمة الجنائية الدولية، ولذلك لا يمكن لإسرائيل ولا لواشنطن أن تحاجج أكثر من ذي قبل بأن إسرائيل تواجه صراعا من قبل قوى عالم آخر، قوى عالم ثالث، قوى عالم متخلف! بحسب تعبير رئيس دائرة العلوم السياسية بجامعه الخليل، الدكتور بلال الشوبكي، مؤكدا للغد، أن نتنياهو أمام مازق قضائي لا يستطيع الخروج منه.
إسرائيل لا يمكنها أن تعمل كثيرا على المستوى القضائي، على الأقل وفقا لخبراء وقانونيين في المجال الدولي، ولا يمكن لإسرائيل أن تخرج من هذا المأزق القضائي إلا إذا قامت هي بمحاكمة غالانت ونتنياهو داخل إسرائيل بذات التهم، وهنا يمكن أن تكف المحكمة الجنائية الدولية عن ذلك، أو أن يقدم الاستئناف، لكن الاستئناف يقدم وجاهيا بمعنى أن على الشخصيتين أن يمثلان أمام المحكمة الجنائية، ولا نتوقع أن تقدم إسرائيل لا على هذه ولا على تلك.
الضربة القاضية لنتنياهو
ولذلك فإن نتنياهو سيبقى محاصرا بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما وصفته صحيفة ليبراسيون الفرنسية بـ « الضربة القاضية لنتنياهو»، وتشير الصحيفة إلى واقعتين ذات دلالة واضحة:
الأولى: أنه في ستة أشهر ويوم واحد.. هذا هو الوقت، الذي يُعتبر قصيرًا نسبيًا بالنظر إلى القانون الدولي، للبت في القضية الأكثر حساسية في تاريخ المنظمة، وفق المحامية الفرنسية المتخصصة في القانون الدولي، كليمونس بيكتارت.
والثانية: رفض القضاة الطعون التي قدمتها إسرائيل. وتقول المحامية، «بيكتارت»، إن هذه الطلبات كانت محاولة من السلطات الإسرائيلية لمنع إصدار مذكرات التوقيف أو على الأقل كسب الوقت. ومع ذلك، أكدت المحكمة أن اختصاصها يشمل غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية ولم تجد ضرورة لإبلاغ تل أبيب بالتحقيق في الجرائم المحتملة، رغم أن إسرائيل لم تصادق على نظام روما الأساسي.
«حضيض» أخلاقي غير مسبوق
وترى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش السابق يوآف غالانت تضع إسرائيل في «حضيض أخلاقي غير مسبوق، كدولة يُتهم قادتها بارتكاب جرائم خطيرة ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة».
واستعرضت الصحيفة، التهم الموجهة لنتنياهو وغالانت، والمتمثلة بالمسؤولية عن «تجويع ملايين الفلسطينيين في غزة، والذين تحولوا إلى نازحين بعد طردهم من منازلهم المدمرة، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية والكهرباء والبنزين والغذاء والمياه، والدواء، ومستلزمات التخدير». إضافة إلى «الهجمات المتعمدة» على المدنيين، وقتل الأطفال الذين «ماتوا من الجوع والجفاف»، وغير ذلك من «الأعمال اللاإنسانية».
معركة دبلوماسية فاشلة
وأشارت الصحيفة العبرية، إلى الجهود التي بذلتها إسرائيل لمنع إصدار أوامر الاعتقال، وهي جهود وصفتها بـ «المعركة الدبلوماسية والقانونية».
وتقول هآرتس إن هذه الجهود بدأت بمجرد أن طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار أوامر الاعتقال، وإنها «باءت بالفشل». كما لم تردع كريم خان مزاعم التحرش الجنسي التي أُثيرت ضده.
كما لم يقم النظام القضائي الإسرائيلي، العسكري والمدني على حد سواء، بأي شيء للتحقيق في هذه الاتهامات الخطيرة، وامتنعت الحكومة الإسرائيلية عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية كان من الممكن أن تحقق في ادعاءات المدعي العام للجنائية الدولية، بحسب ما ترى الصحيفة.
وخلصت الصحيفة إلى القول، بأن الأمل كان معقوداً على أن يثير إعلان المحكمة الجنائية الدولية تساؤلات في إسرائيل حول مدى أخلاقية الحرب الدائرة في غزة، لكنّ الحكومة والرأي العام، وبدعم من معظم وسائل الإعلام، يرفضان الاستماع.
الضفة الغربية في عين العاصفة
ويبدو أن الأمر يتوقف على توجهات الحكومة والرأي العام، وهما يرفضان الاستماع، وبدعم من معظم وسائل الإعلام، بحسب تعبير صحيفة «هآرتس»، وهذه التوجهات تضع الضفة الغربية في عين العاصفة، ومن هذه الزاوية يشير رئيس دائرة العلوم السياسية بجامعه الخليل، الدكتور بلال الشوبكي، في مداخلة مع الغد، إلى ردود الفعل داخل إسرائيل على قرار المحكمة الجنائية، بدءا من تصريحات شخصيات بارزة في إسرائيل من بينهم وزراء يروا أن الخطوة الأهم في الرد على المحكمة الجنائية الدولية في الاستمرار في الاعتداء على الفلسطينيين وانتهاك حقوق الفلسطينيين وتحديدا في الضفة الغربية.
وهناك مناداة بأن يكون الرد على قرار المحكمة الجنائية بالسيطرة الكاملة على الضفة الغربية وفرض السيادة عليها، ولسان حال إسرائيل هنا يريد أن يقول للعالم الغربي انتم من تتحملون مسؤولية ما ستقدم عليه اسرائيل نتيجة لما قمتم به بالالتزام واحترام قرارات الجنائية الدولية.
«قرار تسليم نتنياهو مُلزم»
وفي مواجهة المناورات والمزاعم والإدعاءات الإسرائيلية، إزاء قرار المحكمة الجنائية الدولية، قال القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، إن الدول التي وقَّعت على نظام روما الأساسي وعددها 124 دولة من حقها تسليم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية في حال زار أيًّا منها.
وأضاف نايس، في تصريحات لقناة الغد، أن أي دولة من هذه الدول إذا زارها نتنياهو ولم تُسلمه للمحكمة الجنائية الدولة، ستُقابَل بانتقادات عنيفة من مواطنيها، بالإضافة إلى تطورات داخل المنظومة القضائية داخل هذه الدولة، مشيرًا إلى ضرورة التزام هذه الدول بالتزام القانون الدولي، والتشريعات الدولية.