في لقاء حصري أجرته مجلة “جون آفريك” مع سعادة الشيخ المحفوظ بن عبد الله بن بيه الأمين العام لمنتدى ابوظبي للسلم المنسق العام للنسخة الخامسة من المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم ، تحدث بن بيه عن أبعاد مرامي المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم المتجسدة أساسا في تعزيز ثقافة السلم وتكريسها كمنهج حياة في المجتمعات المسلمة ونبذ ثقافة العنف ومناهج التطرف التي دمرت الشعوب والدول وجرت الويلات للمجتمعات العربية والافريقية
وهذا نص اللقاء نقلا من المصدر :
اجتمع أكثر من 3000 مشارك من جميع أنحاء أفريقيا، بالإضافة إلى ممثلين من الشرق الأوسط وروسيا، ولأول مرة، من الولايات المتحدة، هذا الأسبوع في نواكشوط للحديث عن الوئام والسلام. وقد تداول العلماء والأئمة والقادة الدينيون وممثلو الحكومات لمدة أربعة أيام في العاصمة الموريتانية للبحث عن حلول لمواجهة انتشار الظاهرة الجهادية التي تعصف بالقارة. تأسّس هذا المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم على يدَيْ الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى أبوظبي للسلام، وهي اليوم بإدارة أحد أبنائه، الشيخ محفوظ بن بيه، الذي يشغل منصب الأمين العام. وقد وافق على الرد على أسئلة “جون أفريك“.
بفضل جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله، أصبحت الإمارات من أبرز الدول التي تساهم في دعم جهود السلام والتنمية في العالم وخاصة في منطقة الساحل
جون أفريك: بمناسبة النسخة الخامسة من المؤتمر الأفريقي للسلام، ما هي الأهداف الأولوية التي حددتموها؟
الشيخ محفوظ بن بيه: كما في النّسخ السابقة، يظل الهدف المستمر من مؤتمرنا هو الحديث عن السّلام، وخاصة السلام في الإسلام. فنحن نعتقد أن واجبنا في السياق المعاصر حيث يُخْتطف دينُنا الإسلامي من قبل أولئك تجّار العنف والحروب والفوضى، في أفريقيا والعالم، إن واجبنا هو الدفاع عن السّلام.
هؤلاء المتطرّفون يستغلّون ديننا لأغراض سياسية وأهداف مادية، ويشوّهون الآخر من خلال الفكر التكفيري، ويحبسونه في هويّات متطرّفة إقصائية، لا مكانَ فيها للحوار ولقبول الآخر. نحن في المؤتمر الإفريقي لا نتحدّث عن السلام فقط بل ننشره من خلال المئات من القادة الدينيين والسياسيين البارزين الذين يشاركون فيها كل عام. سواء من خلال المناقشات العلمية في مختلف الجلسات أو خلف الكواليس بين الفاعلين، فالهدف هو روح المصالحة.
وفي هذا الصدد نلفت الانبتاه إلى كون قيمتي الحوار والمصالحة هما المحركان الرئيسيان لرئاسة محمد ولد الشيخ الغزواني [رئيس الدولة الموريتانية] في الاتحاد الأفريقي، الذي كان دائمًا يذكر أنها شروط السّلام والاستقرار في قارتنا.
تنتشر الراديكالية في الساحل وغرب أفريقيا، اللتين تواجهان انتشار الجماعات الجهادية المتطرفة. هل الحوار والسلام اللذان تدافع عنهما في طريقهما للخسارة أمام تصاعد العنف؟
بالفعل، تنتشر الراديكالية ويمكن للجميع ملاحظة هذا التفشي المتسارع. لكن نضالنا من أجل السلام لا يجب أن يتوقف أبدًا. في عام 2014، ذكر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال خطابه أمام الأمم المتحدة، عبارة لوالدي، الشيخ عبدالله بن بيه، الذي يُعتبر المفكر المعاصر الرئيسي في خطاب السلام في الإسلام: “يجب أن نشن حربا على الحرب؛ لتكون النتيجة سلماً على سلم “.
يذكرنا هذا بالاقتباس الشهير لكامو: “السلام هو القتال الوحيد الذي يستحق القتال من أجله”. لذلك على الرغم من الظروف الحالية، يجب ألا نفقد الأمل أبدًا، وتجربة أفريقيا تُظهر أن المصالحة وسيلة رائعة لتهدئة القلوب والعقول. كان مانديلا يقول إن المصالحة ليست مظهرا للضعف، بل هي الشجاعة العظمى. لذا سنواصل الدّفاعُ عن أنفسِنا والقتال لزرع بذورِ السّلام، مهما كانت الظروف.
ما التدابير الملموسة التي يمكن اتخاذها لمكافحة هذا العنف؟
هناك ما نقوم به هنا: تفكيك المفاهيم الدينية الخاطئة التي يعتمد عليها المتطرّفون، بالاعتماد على التأصيل الصحيح للعُلماء المسلمين. فنحن نظهر أنّ ذلك ليس “صحيحًا في الإسلام”، وبالتالي، أن أفعالهم ومعتقداتهم هي انحراف عن رسالة السلام التي يحملها الإسلام.
لكن هل يعني ذلك أن العنف سيختفي عندما يتم إزالة غطاء الخطاب الديني الزائف؟ هذا ليس مؤكدًا! الجماعات المتطرفة تزدهر في الساحل في ظروف اجتماعية واقتصادية معينة، مثل بطالة الشباب والأزمة البيئية الكبرى. ولذلك فمقاربتنا أن الجهود لكي تكون فعّالة، يجب أن يرافق تفكيك الخطاب المتطرف وتعزيز السلام دعم التنمية الاقتصادية لدول الساحل.
هل يجب أن يتم هذا النضال أولاً في المجال الفقهي، أي في تفسير النصوص الدينية، أم يجب أن يتم أيضًا من قبل الحكومات، من خلال أنظمتها التعليمية؟
في كثير من الدول التي ليست علمانية أو التي لديها علمانية “مرنة”، لا يوجد دائمًا فصل واضح بين المجال الفقهي الإسلامي والتعليم الوطني. ومن هنا تأتي أهمية وجود تفسير نصي دقيق وشرعي من وجهة نظر إسلامية.
قناعتنا أن النصوص المقدسة في أي دين لا يمكن أن تفسر من قبل أيّ شخص. ولذلك فالتأويل الصحيح هو تأويل العلماء الراسخين الذين أثبتوا إتقانهم الشامل للمتطلبات الأساسية. وهذا لا يمنع بالطبع أي شخص من التأمل في القرآن الكريم والاستفادة من دروسه. لكن النضال ضد المتطرفين الذين يستغلون نصوصنا لمهاجمة الدول، وزعزعة الاستقرار، وقتل المدنيين، يمر أولاً عبر استعادة الشرعية، وهي شرعية العلماء في تفسير القرآن.
ما الدور الذي تلعبه الإمارات العربية المتحدة في هذه المعركة ضد التطرف؟
يُعقد المؤتمر الأفريقي للسلام كل عام بفضل الدعم المستمر والسخي من الإمارات العربية المتحدة والحكومة الموريتانية. كما قلت سابقًا، جوهر الموضوع هو النضال من أجل السلام، ومناهضة التطرف العنيف.
وفي هذا الصدد تقوم الإمارات وفق رؤيتها بمكافحة كل أشكال الراديكالية. ولقد كان مؤسس الإمارات العربية المتحدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، شخصية عالمية شهد لها الجميع بحمل لواء السّلام والعمل من أجل الاستقرار في بلاده وفي العالم، وقد تكللت جهوده بالنجاح بفضل حكمته وحبه الخير للناس أجمعين.
اليوم، يستمر هذا الاتجاه مع الرّئيس الإماراتي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله، حيث أصبحت الإمارات من أبرز الدول العربية التي تساهم في دعم جهود السلام والتنمية في العالم وخاصة في منطقة الساحل.
نقلا عن موقع الصدى