الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات 

 

 ذ.ابراهيم إلب خطري ــ إطار بوزارة الشؤون الإسلامية

 من المعروف أن الإنسان في إطار فرديته، يولد بمفرده، ويموت بمفرده، لكنه يعيش مع الآخرين، ضمن وحدة جماعية تشكل الإطار المشترك الذي يربطه مع الأفراد ضمن مجتمع واحد. 

وسواء قلنا مع Sarter: "إن الجحيم هو الغير"، أم قلنا مع Goethe: "ليس ثمة عقاب أقسي على المرء من أن يعيش في الجنة بمفرده "، فإن المؤكد أن الوجود بدون الغير نوع من المستحيل، سواء كان الغير هو الخصم أم هو الصديق.  

وعلي الرغم من أن الفيلسوف Karl Popper وهو أحد أعمدة علم الاجتماع، يفند مقولة الإطار المشترك المعروفة في علم الاجتماع، والتي تعني: المسلمات العقلية التي ينطلق منها كل شخص لتسويق رأيه مقابل الرأي الآخر.  فهو يري مقابل تلك المقولة، أنه لا مشترك بين الناس أقوي من مشترك الإنسانية، لأنه أعم ـ في نظره ـ من جميع المشتركات والروابط، فإنني أميل إلى الأخذ بالمشترك الأخص، لعمومية وتجريد ما ذهب إليه.  

وفي هذا المعني يمكن أن نعتبر أن الوحدة الوطنية هي الإطار المشترك الذي يجمع بين الأفراد، لكونها فكرة قائمة على أن كل مجتمع يعيش ضمن إطار من الهوية الوطنية التي تشمل الأرض والتاريخ المشترك والثقافة والتقاليد ...

والانتماء إلى هذه الوحدة الوطنية، هو ما دعا له رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه من شنقيط، حيث دعا إلي هبة وطنية شاملة، تهدف إلى محاربة العقليات السلبية والتخلص من النعرات وخطابات الكراهية، معتبرا أن تلك العقليات لا مكان لها في بلد تجمع الوحدة الوطنية بين مواطنيه.

هذه الدعوة من شنقيط لها رمزية الإشعاع الحضاري والعلمي المنطلق من هذه الربوع، ودلالة على ازدهار المجتمع الشنقيطي الأول وعلو شأنه ومكانته العلمية والثقافية، حيث تشير الرمزية والدلالة في الحدث إلى أنه مجتمع تحكمت فيه وحدة الدين والوطن واللغة، قبل أن تتحكم فيه النعرات والأغلفة الضيقة التي أضاعت الوطن وبعدت بالمواطنين عن مشاربهم ومرابعهم القديمة، التي كانت هي المشترك الفعلي للشناقطة على مر العصور،  

فكان الفخر والاعتزاز أن ينتسب الرجل منا إلى شنقيط ـ وهي العلم على الدولة آنذاك ـ لا إلى موطنه الأصلي أو قبيلته أو عشيرته، فشكل الانتماء إلى شنقيط في تلك الفترة، هوية الفرد الموريتاني، بل غدت عنده تلك الهوية أقوي من جميع الهويات على حد قول الشاعر أحمد ولد عبد القادر:

 وشائج الأرض أقوي من نوازعنا .... والحر ينسي طباع الحر أحيانا

وهنا لا بد من الإشارة إلى توضيح ما تعنيه الوحدة الوطنية ؟، وكيف تترسخ هذه الوحدة بين أفراد الوطن ومكوناته ؟، وكيف يكون دورها في مواجهة التحديات؟

مفهوم الوحدة الوطنية

يشير مفهوم الوحدة الوطنية إلي التماسك والترابط بين مكونات المجتمع بغض النظر عن التمايز والاختلافات الثقافية والاجتماعية، فهي بمثابة الأساس الذي ينبني عليه أي مجتمع أو دولة، وبدون هذه الوحدة قد تضعف المؤسسات الحكومية وتتعثر في إدارة شؤون الوطن.

فعلي المستوي السياسي مثلا: لا يمكن للدولة أن تكون فاعلة ومجسدة لبرامجها وخططها السياسية الرامية إلى تحقيق المصلحة العامة لمواطنيها في ظل التجاذبات والصراعات الداخلية، وهو ما يخلق توترا في البيئة السياسية نظرا للتجاذبات والصراعات الداخلية، والتأثير السياسي ينعكس سلبا على المستوي الاقتصادي والاجتماعي

كيف تترسخ الوحدة الوطنية

 تترسخ الوحدة الوطنية بحب الوطن والارتباط به، فهو ما يخلق شعورا مشتركا لدي الأفراد بالتضامن الوطني، وقد كان سمة بارزة لأجيالنا الماضية، فلا تكاد تسمع قصة أو تقرأ بيتا من الشعر إلا وجدت من يندب فيه وطنه ويتغنى بمحاسنه، وهذا شأن كل مواطن أخلص الحب لوطنه، فتعلق به واعتز، وصار يترنم لأجله، فهذا مثلا: سيد عبد الله ولد احمد دام الحسني الشنقيطي رحمه الله، يجسد تلك المحبة وذلك التعلق، فيعبر عنها بقوله وهو إذ ذاك في السنغال:

ألا ليت شعري هل إلى معهد النوى.... خلاص من أيد النأي والجولان

وهل لي بجنبي تغرريت إلى الصفا ... إلى الأجرع الغربي فالجـــــــــرذان

إلي جنبتي ذي قصطل متنزه .... فإني إلــــــيها دائم الهـــــــــــــــــــــيمان 

وتبدو لعيني بلدة وأحبـــــة ..... عداني طويلا عنهما الملـــــــــــــــــــوان

فيرأب ما أثأته أيام ســـــالم..... و أ يا منا في ساحة الســـــــــــــــــــنغان

ولا يستغرب هذا التعلق والحنين إلى الوطن، إذا علمنا أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، دعا الله ـ عندما أحس بشوق وحنين إلى مكة وهو في المدينة ـ أن يحبب إليه المدينة كما حبب إليه مكة، فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة وبارك في مدها وصاعها ".

فحب الوطن، يعد دافعا قويا نحو الوحدة الوطنية، فعندما يحب الأفراد وطنهم، يعملون معا من أجله، لغاية أن يتطور مستواه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويسعون فيه لبناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة، بغض النظر عن الخلفيات الفكرية والاجتماعية والثقافية، فحب الوطن ركيزة أساسية لاستقراره وتقدمه.

كيف يكون دور الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات

عندما تترسخ الوحدة الوطنية في النفوس ويكون أفراد الوطن ومكوناته على درجة عالية من التوحد، يصبح لديهم شعور مشترك بالهوية والمصير، ويتعزز روح الانتماء والولاء للوطن، وهذا ما يجعلهم أكثر استعدادا للدفاع والوقوف ضد أي تهديد أو تحديات قد تواجه البلاد، سواء كانت هذه التحديات داخلية أو خارجية ولكي تكون الوحدة مهمة في مواجهة التحديات لابد من مراعاة أمرين:

الأمر الأول: تعزيز التضامن الاجتماعي   

روح التعاون بين المواطنين تعين على التغلب على المشاكل التي قد تهددهم في أوقات الأزمات مثل الكوارث الطبيعية، أو الأزمات الاقتصادية، فعندما يظهر التكافل الاجتماعي في هذه الأوقات، يزداد الارتباط بين المواطنين فيما بينهم.

الأمر الثاني: دعم الاستقرار السياسي

عندما يترسخ بين المواطنين، الشعور بالمواطنة والأهداف المشتركة، فإن هذا يعزز من قدرة الحكومة على تنفيذ السياسات والإستراتيجيات التنموية، فالوحدة الوطنية، تساهم في تقوية الإدارة السياسية داخل البلد مما يسهل على الحكومة قيادة البلد بحكمة ومسؤولية.

وكخلاصة، فإن الوحدة الوطنية هي العامل الأساسي الذي يمكن الدولة من مواجهة أي تحد بنجاح، وهو زيادة على أنه شعور وإحساس بالوطن، فهو آلة عملية، تساهم في جعل البلد أقوي وأقدر على التفاعل والتحديات الداخلية والخارجية.

إبراهيم الب خطري                  

إطار بوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي                

باحث في القانون والدراسات الإسلامية