تماد إسلم أيديه
منذ أن أُغلقت منافذ الحياة عن غزة، ظنّ العالم أن الحصار قد يُسكتها، وأن الجوع سيجعلها تُطأطئ الرأس، وأن القنابل ستمحو ذاكرتها. ولكن غزة خذلت هذا الظن، كما خذلت حسابات الاحتلال مرارًا، وها هي اليوم، رغم النزيف، تكتب بدماء أبنائها سطورًا جديدة في سفر الصمود الإنساني والكرامة الوطنية.
في كل مرة تتصاعد فيها النيران فوق غزة، نكاد نظن أن السماء قد ضاقت على أهلها، وأن الأرض تلفظ أنفاسها تحت أقدام الأطفال والنساء والشيوخ، ولكن في كل مرة أيضًا، تخرج غزة من تحت الركام، كما العنقاء، تنفض غبار الحرب، وتعيد ترتيب أنفاسها رغم الحصار والجراح.
غزة ليست مجرد رقعة جغرافية محاصرة، بل فكرة، والفكرة لا تموت. غزة تمثل صوت المظلوم حين يخنقه الظلم، وقلب الشعوب حين تخذلها أنظمتها،في كل بيت تهدمه آلة العدوان الإسرائيلي، يولد بيت من الكرامة، وفي كل شهيد يرتقي، تولد أمة من الوعي والمقاومة.
صورة مأساوية: الأرقام تتكلم
حتى أبريل 2025، تجاوز عدد الشهداء في قطاع غزة 50,800 شهيد، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 115,600، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ هي أسماء وأحلام وتواريخ ميلاد توقفت فجأة تحت القصف.
تشير التقارير إلى أن غالبية الضحايا من المدنيين، وبينهم نسبة هائلة من الأطفال والنساء والشيوخ، ما يعكس حجم المأساة التي لم يشهد العالم لها مثيل في العصر الحديث.
غزة تُقصف، ولكنها لا تنهزم. تُحاصر، ولكنها لا تستسلم. تُجَوَّع، ولكنها تُصر على الحياة،هذه المفارقة تجعل من غزة معجزةً حقيقية في زمن تتراجع فيه القيم ويتخلى فيه العالم عن إنسانيته.
غزة تنتصر بالصمود
سيأتي اليوم الذي تنتصر فيه غزة، بإذن الله، ليس فقط عندما تتوقف المدافع عن القصف، بل عندما تعترف الإنسانية كلها بأن هذا الشعب لا يُهزَم، وأن هذه المدينة لا تُكسَر.
الانتصار الحقيقي لغزة لا يُقاس فقط بالأرض أو بالمفاوضات، بل في إرادة شعبها، في بقائهم على أرضهم رغم الموت، في رفع الأذان من بين الأنقاض، وفي ضحكة طفل يلعب فوق التراب.
كل مدرسة تُفتَح بعد أن دُمّرت، كل مستشفى يعود للعمل رغم الحصار، كل مسجد يُرمَّم، وكل طفل يُسمّى باسم شهيد، هو شهادة أخرى على أن غزة لا تُقهر.
درس للعالم
غزة اليوم ليست مجرد عنواناً للأخبار، بل اختباراً أخلاقياً لكل من يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان،منظمات، دول، نخب فكرية، وضمائر حية؛ الكل معنيّ، لأن ما يحدث في غزة هو امتحان للعالم بأسره.
فهل تبقى العدالة مبدأً أم تصبح انتقائية؟ وهل تظل المقاومة حقاً مشروعاً أم تُجرَّم تحت ذرائع السياسة؟
نحو أفق جديد
لا شك أن طريق النصر طويل، لكن الشعوب التي تحمل قضايا عادلة لا تستعجل الزمن،و الغزّيون الذين لا يملكون إلا الأمل، يجعلون من هذا الأمل سلاحًا أقوى من الرصاص.
الجيل الذي يرى الدمار اليوم، هو ذاته الذي سيبني غدًا وطنًا حرًّا، مستندًا إلى ذاكرة لا تنسى، وإيمان لا يتزحزح بعدالة القضية.
في النهاية، سيأتي ذلك اليوم؛ يوم يُرفع فيه علم فلسطين فوق القدس، وتعود غزة لتتنفس حرية لا تشوبها غارات، ولا تقيّدها حدود.
يومها لن تكون غزة فقط قد انتصرت، بل سيكون النصر لكل من آمن بعدالة هذه الأرض وكرامة هذا الشعب.