الشاعر والكاتب: الشيخ نوح

هذا أنا  (حصري/ الجديد نيوز)


الكتابة بالنسبة لي هي موقف من العالم ومن الذات في آن.
في بداياتي الشعرية لم أكن مهموما البتة بإطلاع غيري على ما أكتب باستثناء شخصين أو ثلاثة، ذلك أن الكاتب يكتب لنفسه أولا، وثانيا وثالثا.
غير أن الكتابة أيضا لا تنسلخ تماما من الشروط الإنسانية، ومن الظروف الاجتماعية، ومن قبضة الزمن التي يعيش فيها الكاتب، إنها خليط فسيفسائي من الوعي واللاوعي، من الالتزام والذاتية، من الانحياز والموضوعية، عبر هذا الانحناء الممتع واللطيف لالتقاط الأصوات غير المسموعة، والتحديق في اللاشيء أحيانا، بكل ما يعنيه ذلك من واقعية ولا واقعية معا.
ليس لدي قصة عظيمة ولا سردية كبرى، فيما يتعلق بمشواري مع الكتابة منذ ما يربو على عشرين عاما، كتبت خلالها حزمة من الأعمال، نشر منها حتى الآن سبعة أعمال(أربعة شعرية، وروايتان، وكتاب نثري) غير أن الكتابة في قسم منها أيضا لا تنفصل عن تراجيديا والتراجيديا ليست بالضرورة أحداثا خارج وعينا البشري، بقدرما بإمكانها أن تكون أسئلتنا الوجودية الكبرى، ومآزق الحياة اليومية، وربما لهذا السبب قال رائد الرواية الكابوسية "كافكا" إن كل محاولة للخروج من البيت هي مغامرة خطرة.
بدأت شاعرا، ولكني كنت أسمع أكثر من صوت داخلي، وأحس بأكثر من خيار فني، ومن جنس أدبي، ومن نداء فكري وفلسفي، يقيم مهرجانا جوانيا في عوالمي المسكوت عنها، وربما هذا ما جعلني أزاول أكثر من مجال كتابي، ابتداء من الصحافة، مرورا بالخواطر والمقالات الفكرية والسياسية، ووصولا إلى السرد والرواية.
ما زلت رغم ذلك أحس أن الرمال تمدد داخلي على حساب النهر، والعطش على حساب التدفق.
وأعتقد أن هذا هو الوقود الحقيقي لاستمرار الشعلة، فعندما يحس المبدع أنه قال ما في جعبته تماما، فحينها يصل لمرحلة الموت، والموت هنا يكون عبر "السكتة الإبداعية" وليس بالضرورة الموت البيولوجي.
تربيت في الأحياء الشعبية كغالبية الغالبية من الموريتانيين فقيرا، وما زلت وسأظل. أحببت المغامرة الإبداعية، ووجدت فيها آلية سحرية لإعادة تنسيق العالم، وترتيبه أو إعادة خلط أوراقه.
عرفت الشوارع والأزقة، والتصقت بعوالمها السحرية والدرامية، وتحولت إلى رهينة لتفاصيلها الصغيرة التي تختزن حقائق العالم الكبرى، اطلعت على آداب عالمية، وأتقنت لغات عالمية أيضا ووطنية.
بالنسبة لي ما زلت في منتصف عمري الإبداعي، وأعتقد أنني حققت أشياء مهمة دون سند قبلي ولا أيديولوجي ولا جهوي، وأنا راض تماما عما فعلت بكل هذا العمر، وأحجو أن الأهم ما زال قابلا للتحقيق.
أشتغل على مشروعين أساسيين؛ أولهما شعري والثاني سردي، وأتصور أنني على الطريق الصحيح لتحقيقهما.
الكتابة لدي أسلوب حياة وطريقة جمالية.. غاية ووسيلة.. ذاكرة وجسد.