مواقف وانطباعات عن موريتانيا (حصري / الجديد نيوز)

ـ
حوراء لهميلي


شاعرة من المملكة العربية السعودية، حاصلة على العديد من الجوائز المحلية والدولية( المركز الأول في مسابقة الجود العالمية والمركز الثالث في مسابقة أمير الشعراء..)
صدر لها ديوان شعري بعنوان: ظمأ أزرق


موريتانيا..الشعـر والجلال والجمال


يقال بأن للمدن ذاكرة ورائحة أيضا؛ لأنها تدل ممرات أرواحنا السرية، لها خطى تتفرس من خلالها أحلامنا المؤجلة، لها قناديل تضيئ عتمة قلوبنا المهجورة.
موريتانيا الدولة الفاتنة التي تغفو على خد الأطلسي، يهديها نسيمه ورقته وتهديه أنفة الصحراء وعنفوانها.
لم تتنفس رئتي نسيم موريتانيا بعد، ولم يحملني الشعر على أجنحته البيضاء إلى جنباتها الهادئة، لكنني تحسست جمالها الوادع واقتربت من شعبها الطيب الذي يعجن الحب في راحتيه شعرا، الشعب الذي اقتربت من ملامحه الوقورة ورأيته بمرآة الروح.
في رحلتي لأمير الشعراء، كانت موريتانيا حاضرة بما تحمل من جمال وجلال وزهو، كانت قريبة مني حد أن شعرت بأنني ابنتها وممثلتها !
الشعب الذي يحتفي بالشعر ويباركه حد التقديس، فهو إما أن يحيا به، أو يحيا به أيضا فلا خيار ثالث لهما.
من علم هذا الشعب الأبي قيمة الشعر العليا؟ من همس في أذنه بالأسطورة الشهيرة التي تقول: بأن الشعر خلق قبل العالم بألف سنة، أن الشاعر سيعود ليكون خالقا من جديد كما يقول الشاعر الأرجنتيني بورخيس، وأن الأمة التي تحتفي بشعرائها هي تحتفي بإنسانيتها وتراثها تحتفي بفكرها وأصالتها، لأن الشعر يبلور جوهرها الإنساني، يعيد اكتشاف الأشياء بخريطته الحسية  المتفردة حتى يجسد حضارة أمته ويصدّرها للعالم، فالشاعر ترجمانها الأغلى، هو حارس سطح عالمها وعرابها الأوفى، هو وسيلتها للحفاظ على اللغة من الشيخوخة.
أكثر ما لفت انتباهي في هذا الكرنفال الأدبي أن الدولة بأكملها تجعل الشعر في مقدمة اهتماماتها، لأن الثقافة لا تتجزأ، الإيمان بهذا الأثر البعيد والمهم هو ما يجعل موريتانيا تحتفي بالشعر إلى حد التقديس، تعلق صور شعرائها كما تعلق صور رؤسائها ! الكل يؤمن بأهمية التصويت بدءا بالوزير وانتهاء بعامل النظافة، الذي ربما لا يجد قوت يومه لكنه يريد أن يصوت انتصارا لصوت الشعر في روحه !
من لديه شعب عظيم هكذا، يحق له أن ينام هانئا لأنه يمتطي عربة الخلود؛ ليصعد بها نحو السماوات السابعة.
من عرف قيمة اللغة عرف قيمة وجوده الإنساني؛ لأن الشعر كما يقول الفيلسوف البريطاني بيتر ولي: "يعلمنا صنع المعنى.."
فطوبى لهذا الشعب الأبي إيمانه الراسخ !