محمد ولد سيدناعمر / الجديد نيوز
بتحدّ وثبات تعكسه ملامح صارمة تخوض الباحثة "فاطمة بوهراكة" غمار لجج الحروف والمعاني، تُمسك باليراع لتنثر الدُّر وترسم على جدار التاريخ أسماء وقصائد كاد النسيان أن يطويها.
إنها رحلة طويلة على شُطآن الكلمة وبين مهامه التاريخ على امتدادات خريطة الجغرافيا العربية..ظلت وسط هالة الضوء في أكثر من محفل عنوانه الثقافة والإبداع في مهمة نبيلة للرقيّ بمجالات التوثيق الأدبي ووضع قطاره على السكة الصحيحة.
طفولة في أحضان التاريخ
ترعرعت في مدينة "فاس" العريقة عاصمة الثقافة والعلوم الدينية في المغرب، وهي مدينة مصنفة بكاملها ضمن التراث الإنساني العالمي، نهلت فاطمة من عبق هذه المدينة الأصيلة ذات الأسواق الضاربة في القدم والآسرة بفنها المعماري ذي الطابع الإسلامي الراقي، مدينة المكتبات والمآذن الشامخة.
عاشت بوهراكة طفولة هادئة في كنف أسرة متوسطة الحال، ولكن سرعانما أصبحت ثائرة متمردة على النظرة الدونية للمرأة وهي في بواكير مراهقتها، وقد انتهت بها الثورة والتمرد على ما تعتبره ظلما من المجتمع لنصفه إلى كتابة الشعر وهي لمّا تتجاوز ربيعها السابع عشر رغم المعارضة الشديدة من طرف الوالدة لتلك الهواية ـكما ذكرت في إحدى مقابلاتهاـ
التوثيق بحث وتدقيق
واصلت مشوارها في رحلة البحث والتوثيق بعد الحصول على الباكلوريا وولوج الجامعة؛ تفك طلاسم الحروف والكلمات وتؤرخ بالوقائع والأسماء للمنشغلين بالإبداع الشعري والثقافي في الوطن العربي الكبير.
جابت عديد الأمصار واطلعت على الكتب والمخطوطات النادرة مشاركة في الندوات والملتقيات وحاصدة للتكريمات والأوسمة..
أسهمت بأربع دواوين شعرية جمعت فيها بين الشعر الوجداني والإنساني تُرجم بعضها لأكثر من سبع لغات.
كردة فعل على فوضى التوثيق والبحث الذي أصبح في كثير من الإصدرات لا يتعدى "النسخ واللصق" مما هو منشور على الشبكة العنكبوتية دون التدقيق في صحته، شرعت في التنقيب والتمحيص في كتب الأدب والثقافة، كانت عملية صعبة ومعقدة بسبب كثرة المعلومات المغلوطة وفوضى انتحال الأسماء والصفات.. في النهاية واصلت السفينة رحلتها بسلام..
من مرارة البحث جاءت الفكرة، ولجت بوهراكة لعالم الكتب والسير الذاتية..أمواج وصعوبات متلاطمة تقاذفتها، تحدتها بصبر وثبات.
تترجم بعض مواقفها مرارة الواقع الثقافي العربي الحالي:"ليس هناك تخطيط ثقافي بالمعنى الصحيح، وإنما هناك فرقعات يقوم بها السياسيون هنا وهناك لإثارة الانتباه عندما يحتاجون لهذه الثقافة كمسحوق تجميل لا أكثر".."إننا نعيش واقعا مُرّا خلف لنا مافيات اقتصادية دولية أنتجت لنا مافيات ثقافية محلية تروج للرديء في مواجهة القيم النبيلة والفكر السليم.
أمضت سنين الشباب في دهاليز البحث وأمام مرايا التمحيص..جَنَت لنفسها المعرفة والشهرة..وما زالت تُصِرُّ على مواصلة المشوار مؤكدة أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة..خصائص التحدي والثبات نالتها منذ المراهقة، كانت عصامية التكوين..لها نظرة ثاقبة مُفادها أن الحياة: علم وفن واجتهاد أولا تكون.