كان يوما طويلا وصعبا ..
إنها كلمات لا تكاد تصف مشقة يوم من أيام الله في إحدى الإدارات الهامة في مصير المواطن..
بدأ هذا اليوم العسير ببكرة تسابق انبلاج خيوط الفجر(6:00 صباحا) ليوم يبدو أنه يخبئ المزيد من المتاعب لمواطنين لا ذنب لهم سوى أن رماهم الزمان بضرورة حصولهم على مبتغاهم لدى تلك الإدارة ..
كانت المشقة ستهون لو كان المبكر بالغا لكن أن تصر الإدارة المذكورة على تنغيص نوم طفل صغير بغية الحصول على حقه فذلك أمر يدعو للشفقة والتأمل ..! أليس الوالدان ينوبان أبناءهما القاصرين قانونيا ؟
كان من المفترض أن الدوام الرسمي يبدأ الساعة الثامنة لكن خيط الأمل هذا سرعان مانقطع وخاب الرجاء مع تسارع دقات عقارب الساعة ...
طال الانتظار وبدأت الأسئلة ترتسم بحسرة على شفاه المواطنين الذين سرعان ما ولجوا من البوابة الرئيسية عند الساعة الثامنة صباحا بعد عملية انتظار طويلة ومملة تؤثثها حركات الكلاب السائبة وصخب السيارات والمارة من ذلك الشارع الضيق!!
سارع المواطنون الى داخل الحائط الكبير وأخذت كل مجموعة مستقرها في مكان محدد في انتظار الأمل المتلاشي مع تسارع دقات عقارب الساعة بسرعة نحو التاسعة ..
الحراس هم الوحيدون المتقيدون بالدوام الرسمي على ما يبدو، ومع جلافة بعضهم فقد كانوا يعون صعوبة الانتظارويطيبون خواطر الجميع !
وصل المدير وقبله بمدة قصيرة وصلت بعض النسوة العاملات في تلك الإدارة ... تهللت وجوه الجميع فرحا لقرب خلاصهم من نوبات الانتظار المملة والكثيرة في تلك الإدارة... سرعان ما نادى المنادي : الكهرباء فيها عطل وعليكم المزيد من الصبر..
عندها تغيرت وجوه المواطنين وظهرت مكفرة وكان بعضهم يردد بمرارة "سئمنا من مثل هذه المعاملات ..انتظار وانتظار من أجل الفراغ "!
للأمانة المدير كان مسؤولا وقريبا من المواطنين، خرج إليهم بنفسه وأبلغهم الخبر وطيب خواطرهم وطمأنهم أنها مشكلة وسيسعى بجد في حلها وبدأ يتصل بشركة الكهرباء.
كما أبلغ كل المنتظرين بطريقة حلول مشاكلهم لدى إدارته وصرف من يحتاج موعدا للوقت المناسب.
كان المواطنون وهم ينتظرون فئات شتى وكل يغني على ليلاه ... البعض يتجاذب أطراف الحديث والبعض يتتبع أخبار حل مشكلة الكهرباء والكثيرون متسمرون مع الصديق المقرب الهاتف الجوال .
مضت ساعتا انتظار تنوء بتحمل ثقلها الجبال الرواسي ... جاء وفد الإنقاذ من شركة الكهرباء فتهللت وجوه الجميع مجددا استبشارا بقرب انتهاء يوم الانتظار الطويل .
نصف ساعة كان كافيا للتغلب على العطل.. وبدأ الحبل على الجرار .. عند هذه الإدارة المواطنون موزعون لجماعات وكل واحدة تتسمر في طابور طويل أمام نافذة ضيقة هي التي ستتمكن من خلالها من قضاء غايتها .
تدافع وانتظار ممل وحديث غاضب مع الحراس ... النافذة لم تفتح ... فيكون الجواب ستفتح بعد قليل جلبة وتسابق للمواطنين للنافذة مرة أخرى .. مرّ وقت .. جاء خبر بأن العاملة لديها عمل ستكمله للمدير وعلى الجميع الانتظارأمام نافذة أخرى حتى يأتي الفرج!
وجوه مكفهرة وسحنات تتعامد عليها أشعة الشمس الحارقة، البعض يدخل من الباب الرئيسي بقدرة قادر ويقضي وطره بسرعة كأنه في إدارة أخرى أية مفارقة ؟!! .
جاء الفرج وانتظمنا في الطابور ، وطلب منا بعد التسجيل الانتظار مجددا، ولو لا رحمة ربّك بوجود شجيرات ظليلة وحنفية في الحائط لكان المصير مأساويا !
طلب منا الدخول للمرحلة الأخيرة من المهمة .. جلس الجميع داخل بهو وكان العرق يتصبب غزيرا والجميع يبحث عن ذرة أكسجين في هذا الجو المختنق .. طال الانتظار سألنا مالخطب ؟ فجاء الجواب .. انتظروا شبكة الإنترنت مقطوعة ...الصبر الصبر ... !
بعد ساعات مملة من الانتظار غذاها السخط على رداءة الخدمة حل الفرج واكتملت المهمة بعودة الشبكة "أَعْلَ بْرَيِّدْ ــ كما يقول المثل الدارج ــ .. وقد تأكدت بعد هذا اليوم العصيب أنه من "أحفاد مسيلمة" من يخبرنا بقرب الإدارة من المواطن وأن الدولة ساعية في ذلك .
من يوميات مواطن بدار لوكالة الوثائق المؤمنة في العاصمة نواكشوط.