بدع المعارضة! الديماني محمد يحي

كان مما أدركنا عليه سلف هذه الأمة المعارض الوقوف عند حدود المبادئ والتقيد بالأفكار التقدمية والحذر من الوقوع في الشبهات السياسية، وترك المباح من المواقف الرجعية، خشية الوقوع في محظورها عند القوم...

 لقد ظل الهيام بنهج القادة الخالدين معينا لأولئك على السير وسط الجماهير البسطاء والحديث إلى الناس من دون حرس ولا وسطاء، كما كان في التبتل بمحاريب الأفكار "الحمراء" و"الخضراء" و"المظللة"، ما ينفرهم من مظاهر الترف ويغنيهم عن حياة الدعة! 

لقد ظل ذلك السلف الصالح (سياسيا) على هذا النهج لايحيد عنه قيد أنملة، إلى أن جاءت قمة لابول، وشرعت الدولة في انتهاج الديمقراطية، عندها بدأت البدع في العمل المعارض تظهر شيئا فشيئا.. لكنها ظلت محاصرة ردحا من الزمن، لقوة الإيمان بالمبادئ، وشعور مرتكبها بالذنب وضعفه أمام الناس؛ حتى أنه لم يكن بإمكان صاحبها المجاهرة بها... 

لكن مع الوقت اتسعت قاعدة البدع السياسية، للأسف، وكثر المبتدعة فيها، وأضحت المجاهرة بها مقبولة بين العامة والخاصة.. حتى صرت، ترى الشاب اليساري؛ حد التماهي، يستنهض همم القبيلة للتصويت له؛ مذكرا بأيامها المشهودة ومآثرها التليدة، مبينا تجاهل النظام لتمثيلها بالقدر المناسب لمكانتها المرموقة بين القبائل! وفي الوقت ذاته، فد تشاهد قوميا وحدويا يحتضن انفصاليا متشبثا بلغة المستعمر ومدافعا عن ثقافته!! 

كما قد يحصل أن تقابل شيخا واصلا لم يمنعه تفيؤ "الظلال" من الاستمتاع بهواية الاحتيال!! أما اتخاذ المناضل عن الطبقات المسحوقة للحرس والحاجب، وإقامته الليالي الكثيرات. بين مقصورات الدرجة الأولى جوا، وفنادق الخمس نجوم برا فحدث ولاحرج!!

 تزايد البدع في العمل المعارض، رغم تقبل الناس له، منذ بداية الألفية الحالية، ظل في حدود المعقول من حيث العدد والنوع، إلى أن خلف من بعد الرعيل الأول وتابيعهم من المحسنين خَلْف أحرقوا الكتب وأضاعوا المبادئ وتتبعوا البدع(لا الرخص)...! ومارسوا كل المنهيات السياسية، بدءا من التزوير مرورا بالزبونية، والمحسوبية، والأسرية، وانتخاب غير الأكفأ، وصولا للاستبداد بالرأي! حتى صار، تزوير الدواء من طرف الشيخ الوقور ذي اللحية الكثة، أمرا شائعا، واستئثار بعض المناضلين بحظوة خاصة، نهجا متبعا، واختيار الأمي لشغل المناصب، تبعا للعلاقة بزعيم الحزب، مستساغا، وانتخاب المرء وزوجه في آن واحد، من حزب معارض أمرا عاديا!! 

وهكذا يمكن القول إن الدارس لما قام به معارضو هذا الزمان، من البدع في ملة العمل المعارض، لايكون مبالغا، إذا خلص إلى القول بإخراجهم من تلك الملة!

 فأنت، أخي المتابع، (أَبَانَ اللَّهُ لِي وَلَك معالم التحقيق وسلك بنا وبك أنفع طريق)، ترى أنه لم يبق مما كانت تعيبه المعارضة، على السلطة، عادة، مما لم تمارسه هي؛ أفرادا وهيئات، إلا سوء التسيير، والله وحده أعلم هل سينجو هذا الجانب من عدوى بقية الجوانب التي اجتاحتها البدع عن بكرة أبيها، كما هو واضح مما تقدم؟ 

حفظ الله بلادنا من كل مكروه وزادها رفعة وأمنا ونماء