السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة،
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَاَ ويُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ}.
آيةٌ عظيمة، جامعة ومانعة ترسم بمداد الوحي صورة من يُحسن التلبيس ويلمّع صورته أمام الناس، بينما فعله لا يُنبت إلا فسادًا، فإذا تولّى مسؤولية، أو أُنيط به منصب، أفسد وأهلك، لايرقب في الوطن عهدًا ولا ذمة.
أمام هذه الصورة الحيّة من النماذج التي وصفها الوحي، تتنزل القضية المنشورة أمام عدالتكم.
السيد الرئيس؛ السادة أعضاء المحكمة الموقرة
أقف أمام محكمتكم اليوم باسم الدولة الموريتانية وشركتي اسنيم وصوملك ومنطقة نواذيبو الحرة الطرف المدني في هذه المسطرة، لا دفاعا عن فرضية بل تأكيدا على حقيقة ناصعة لا يشوبها شك، ولا يُنال منها بالتلاعب والمراوغة.
فنحن لسنا أمام قضية تفتقر إلى الأدلة، ولسنا أمام نزاع يحتمل التأويل، بل أمام وقائع ثابتة، كشفتها المستندات وأكدتها التحقيقات، وأقر بها حتى مسار المحاكمة.
ومع ذلك نجد أنفسنا مضطرين لاستئناف حكم الدرجة الأولى لا للطعن في مبدأ الإدانة بالتعويض بل لتصحيح مسار هذا الحكم حين أغفل جوهر العدالة في شقه المدني.
كيف يمكن أن يثبت الضرر ثم يُلتَف على تبعاته؟
كيف يمكن أن تُقر المحكمة بالفساد المالي ثم لا تُدرج في منطوق الحكم مصادرة الأموال المحجوزة؟
كيف يدان المتهمون ثم يُترَكُ الطرف المدني بلا تعويض كاف يعكس حجم الضرر الكارثي الذي لحق به؟
إن الاستئناف المقدم باسم الدولة الموريتانية وشركتي اسنيم وصوملك ومنطقة نواذيبو الحرة الطرف المدني في هذه المسطرة في جميع الترتيبات المدنية موضوع الحكم رقم 001/23 الصادر عن المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد بتاريخ 04/12/2023 والمضمن في المحضر رقم 36/23 بتاريخ 07/12/2023 لم يقدم اعتباطا، بل رُفِع استنادا إلى أسس قانونية راسخة، ومن ذي صفة ومصلحة وفي الأجل القانوني، ووفقا للضوابط الإجرائية والشروط الشكلية المنصوصة قانونا، مما يجعله جديرا بالقبول شكلا، عملا بأحكام المواد 456 و463 و467 من ق ا ج.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة
إنّ من المفارقات القانونية الأكثر دلالة في هذه الدعوى، أن أحد أبرز الدفوع التي تقدّم بها دفاع المتهم محمد ولد عبد العزبز– والذي أراد من خلالها تحصين المتهم من الخضوع لأحكام قانون مكافحة الفساد – قد ارتدّ على صاحبه، وانقلب إلى دليل دامغ على مشروعية المتابعة، ووجاهة اختصاص المحكمة في نظر القضية.
إن التمسك بفكرة أن رئيس الجمهورية لا يُعد موظفًا عموميًا في مفهوم المادة 2 من قانون مكافحة الفساد، وأن الحصانة الممنوحة لرئيس الجمهورية في المادة 93 من الدستور دائمة، هي قراءة مجتزأة ومخالفة للدستور والقانون على حد سواء، فالمادة 93 من الدستور جاءت لضبط شروط المساءلة أثناء شغل المنصب الوظيفي.
أما بعد انتهاء الولاية، فإن رئيس الجمهورية السابق يخضع، كغيره، للقانون العادي، بما فيه قانون مكافحة الفساد ولا تعارض في ذلك مع المادة 93 من الدستور
وهنا، لا بد أن نستحضر بوضوح ما قضى به المجلس الدستوري في قراره رقم 09/24 بتاريخ 05/12/2024، حين أكّد، دون لبس، أن الموظف العمومي في مفهوم قانون مكافحة الفساد يشمل رئيس الجمهورية.
وهذا التفسير، سيدي الرئيس، ليس تفصيلًا إجرائيًا، بل قاعدة دستورية عليا، تُغلّب روح القانون ومقاصده، وتؤكد أن القول بخلاف ذلك يُفرغ النص من محتواه، فلا يُعقل – قانونًا ولا منطقًا – أن يتمتع رئيس الجمهورية السابق بحصانة مطلقة، خارج الزمن الدستوري لوظيفته، لأن ذلك يتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون، ومع فلسفة دولة القانون التي تجعل من الوظيفة أمانة لا امتيازًا.
وعليه، فإن محاولة الدفاع الالتفاف على هذا القرار الدستوري الحاسم، لا تعدو كونها قفزًا على النص، وخرقًا لقاعدة أقرّها أعلى مرجع دستوري في البلاد.
إنّ من الأبجديات الحقوقية ومن صميم الضمانات الإجرائية أن تُراقَب مشروعية السير في الدعوى الجنائية على مختلف مراحلها، ابتداءً من التحقيق وانتهاءً بالحكم، وقد أحسن المشرّع حين أناط بغرفة الاتهام – وهي جهة قضائية موضوعية – صلاحية إثارة أسباب البطلان من تلقاء نفسها أثناء دراستها للملف، وهو ما كرّسته المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية، تأكيدًا على أن سلامة المسطرة ليست رهينة بمبادرات الخصوم، بقدر ما هي شأن أصيل من شؤون القضاء.
ولم يقف حرص المشرّع عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك إلى أعلى سلطة قضائية في البلاد، إذ خَوّل للمحكمة العليا، في مادتها الجزائية، صلاحية إثارة وسائل النقض تلقائيًا، بما في ذلك الدفع بعدم الاختصاص أو الإخلال بالقواعد الجوهرية للإجراءات – وفقًا للمادة 546 من ذات القانون – مما يعكس طبيعة الرقابة القضائية المتدرّجة، المُحكَمة، والصارمة على المسار الجنائي.
وبناءً عليه، فإن القرارات الصادرة عن غرفة الاتهام، ثم عن المحكمة العليا، في هذه المسطرة، قد حسمت أمر الإحالة وأكّدت اختصاص المحكمة المختصة في الجرائم المتعلقة بالفساد، فغدت هذه الأخيرة مختصة بنظر الدعوى بحكم القانون وبقوة قرارات صادرة عن جهتين قضائيتين عليا، إعمالًا لنصي المادتين 211 و548 من قانون الإجراءات الجزائية، بما لا يدع مجالاً للجدل ولا موطئًا للشك.
ومن ثم، فإن ما قرّره الحكم المستأنَف من تأكيد لاختصاص المحكمة بمحاكمة المتهم محمد ولد عبد العزيز ومن شُمل معه في هذا الملف، إنما هو تسطير لقواعد مستقرة، وتطبيق سليم لصحيح القانون، مؤسَّس على مسار إجرائي سليم، ويستند إلى تراتبية قضائية محصَّنة.
لقد التزم الحكم المستأنف جادة الصواب حين سدّ منافذ التأويل، وأحكم البناء الواقعي والقانوني في آنٍ معًا، فجاء قراره محكم النسج، متين الأساس، نابضًا بروح القانون وروعة العدالة فيما يتعلق بالاختصاص.
وعليه، فإن ما قرّره الحكم المستأنَف، حين أكّد اختصاص المحكمة بمحاكمة المتهم محمد ولد عبد العزيز والمشمولين معه في هذه المسطرة، لم يكن إلا تطبيقًا سديدًا لصحيح القانون، قائمًا على أسس واقعية راسخة وتأصيل قانوني متين، لا يعوزه سند ولا يشوبه خلل، وبالتالي جدير بالتأكيد والتثبيت.
غير أن المثير للدهشة، بل للريبة والاستغراب، أن هذا الحكم ذاته قضى ببطلان إجراءات المتابعة في حق هيئة الرحمة كشخص اعتباري، دون أن يُبدي لذلك تسبيبًا مقنعًا، أو يسند موقفه إلى نص قانوني صريح أو اجتهاد قضائي معتبر.
إن هيئة الرحمة، كما ثبت من وقائع الملف وثنايا التحقيق، ليست مجرد شخص معنوي معزول، بل هي في حقيقتها امتداد فعلي للمتهم الرئيسي، أداة أنشأها، وأخضعها لسلطته، وسخّر نفوذه التنفيذي لتأسيسها وترخيصها، ثم حرّكها كيف شاء لخدمة مصالحه الخاصة، بعيدًا عن أهدافها المعلنة.
لقد تحوّلت هذه الهيئة من واجهة خيرية ظاهرية إلى وسيلة ممنهجة لغسل الأموال، فتم من خلالها شراء وبناء منزل فخم للمتهم، وسوق خديجة في أرقي أحياء تفرغ زينة باسم ابنته أسماء، وضُخَّت عبرها مبالغ طائلة ناهزت 24 مليار أوقية قديمة، في تجسيد فجّ لاستغلال النفوذ وتضارب المصالح والإثراء غير المشروع.
فأي منطق قضائي يستقيم، يا سيدي الرئيس، حين يُعترف باختصاص المحكمة لمحاكمة من أنشأ الهيئة وسيطر عليها، ثم يُستبعد هذا الكيان ذاته – الذي لم يكن إلا ذراعًا تنفيذية خالصة له – من دائرة الاتهام، تحت ذريعة بطلان الإجراءات خرقا لصريح القانون ومضمون القرارات القضائية النافذة؟ وأي ميزان قانوني يقبل هذا التفكيك التعسّفي للوقائع والمسؤوليات؟.
فلا يجوز أن تُسلخ هيئة الرحمة من جسد الدعوى، وهي التي كانت الأداة والغطاء، والوسيلة والواجهة، لارتكاب أفعال المتابعة.
من هنا، فإننا نلتمس من محكمتكم الموقرة أن تعيد الاعتبار لمبدأ وحدة المسطرة، وأن ترفض هذا التناقض الذي يطعن في حياد المعالجة القضائية، ويخلّ بتكاملها، ويهدد روح العدالة التي لا تقوم على انتقائية ولا تفرقة.
لذلك، لامناص من أن يُعاد النظر في هذا الجانب من الحكم، وأن يُرفع عنه ما اعتراه من تناقض جوهري، صونًا لهيبة القضاء، وحمايةً للعدالة، وتكريسًا لسلطة القانون على الأشخاص، طبيعيين كانوا أم اعتباريين.
إننا بمطالبتنا بإعادة النظر فيما قضى به الحكم المستأنف من استبعاد هيئة الرحمة من المتابعة، وتصحيح هذا المسار الإجرائي المختل، فإننا نؤكد أن تصويب هذا الخلل لا يتعلق فقط بتماسك البناء القضائي، بل يتصل كذلك بحقوق الدولة كطرف متضرر، يستوي في ذلك الضرر المادي والمعنوي.
ذلك أن مطالبة الطرف المدني – الدولة – بالتعويض ضد هيئة الرحمة، لا تقوم على مجرد دعوى شكلية، بل تجد سندها الراسخ في منطق القانون وروح العدالة، من حيث الشكل والمضمون سواء بسواء.
فهيئة الرحمة، التي اتخذت من العمل الخيري ستارًا، لم تكن سوى أداة أنشأها المتهم الرئيسي، وجنّد لها موارد الدولة وهيئاتها وموظفيها، فكانت مخلوقًا إداريًا صُنع بوسائل السلطة، ليُستغل في تنفيذ أفعال إجرامية تمثّلت في غسل الأموال، واستغلال النفوذ، وتبديد المال العام، والإضرار الفادح بالمصلحة العامة.
وإن الدولة – التي سُخّرت أجهزتها لتأسيس هذا الكيان الوهمي، ومنحت غطاءً رسمياً لاستغلاله في ما يخالف القانون – هي أول المتضررين من هذا المسار المنحرف، وضررها ليس فرضية بل حقيقة ماثلة في سجل الوقائع ومجريات الملف تحتم الحكم لها بالتعويض العادل.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة،
منذ بدء هذه المحاكمة، لم تكن المواجهة محصورة في منازلة قانونية نزيهة، بل وُوجهت العدالة بتكتيكات متعاقبة تهدف لا إلى تفنيد التهم، بل إلى إنهاك المسار القضائي، عبر سلسلة دفوع وطعون انهالت تباعًا، دون سند قانوني محكم، أو حجج واقعية معتبرة.
رأينا اعتراضًا على تشكيل المحكمة، وطعنًا في حياد قضاتها، ومخاصمتهم لا يُقصد بها إلا التشويش، لا التوضيح، وكل ذلك جرى تحت غطاء التقاضي، لكنه في حقيقته لا يعدو كونه استراتيجية موصوفة لتعطيل المحاكمة.
ولأن محكمتكم والمحكمة العليا كانتا على مستوى الوعي القانوني والحكمة الإجرائية، فقد تصدتا لهذا التلاعب بأسلوب صارم وواعٍ، وميّزتا بين الحق المشروع والتعسف الممنهج.
وما إن بلغت الإجراءات مرحلة الحسم، وبدأت المحكمة في استجوابها التفصيلي وطرح الأسئلة الجوهرية، حتى أخرجت ورقة بالية طالما استُعملت في مثل هذه المواقف: ادعاء المرض، إذ فجأة، ودون مقدمات طبية معلومة، ودون دلائل سابقة أو عرض طبي سابق، أعلن المتهم عدم قدرته على مواصلة المحاكمة، متذرعًا بوعكة صحية لم يُقدَّم بشأنها أي تقرير طبي موثوق.
ولأن العدالة لا تكتفي بالادعاء، أمرت المحكمة – بحكم اختصاصها ومسؤوليتها – بإجراء فحص طبي مستقل. ولكن، ويا للعجب، رفض المتهم الامتثال لهذا الإجراء، وهو ما يُعد في ميزان القانون قرينة لا تُردّ على انعدام المصداقية، فالمريض الصادق لا يخشى التشخيص، والمتألم لا يرفض المعاينة، أما من يتذرع بالمرض، ثم يتهرب من إثباته، فإنما يطلب بتعلته مهربًا، لا مداواة، ويحاول عبرها كسب وقت ليس إلاّ.
ما حصل، سيدي الرئيس، ليس ممارسة لحق، بل عبثٌ بإجراء، ليس طلبًا لرحمة، بل تهربٌ من محاسبة، إنها حيلة دفاعية مكشوفة، أريد بها تجميد سير العدالة.
لقد أصبح جليًّا أمام هيئتكم أن الحصانة سقطت بسلطان الدستور، وأن سلسلة الطعون كانت مناورة متكررة لا تقوم على أساس، وأن ادعاء المرض ما هو إلا محاولة يائسة لعرقلة محاكمة عادلة تمضي بثبات.
إن محكمتكم اليوم أمام موازنة واضحة بين الأدلة الساطعة التي تفرض العدالة وبين المراوغة الإجرائية التي تحاول الالتفاف على هذه الوقائع الثابتة بتأويلات واهية وحجج متهاوية ومتهافتة، فحين تتحدث الوثائق وحين تتراص الأدلة والشهادات متجانسة في مضمونها، وحين تثبت الوقائع ثبوتا قاطعا يصبح أي نقاش خارج هذا السياق باستهداف من هو خارج هذه المسطرة وبنعت ووصف الغير بأبشع الأوصاف وكيل الشتائم لهم، مجرد تلاعب والتفاف على الحقيقة الناصعة، وذلك لا شك لن يفوت على محكمتكم وهي في صمت مداولاتها.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة،
هل يعقل أن يكون الحكم ناقصا حيث يجب أن يكون كاملا؟، وهل يقبل أن يترك المتضرر عالقا في فراغ قانوني بينما الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
إن هذا الاستئناف ليس تكرارا لما قيل وليس مجرد جدل قانوني عقيم إنه إعادة ضبط لمعادلة العدالة التي اختل ميزانها في الدرجة الأولى وإغلاق لكل باب قد يُفتح أمام الإفلات من المسؤولية المدنية.
فبهذا الاستئناف نطمح أن لايختزل الحكم في الإدانة الجزائية فقط بل في إنصاف المتضررين ورد الحقوق إلى أصحابها و منع أي محاولة لطمس الآثار الحقيقية للأفعال موضوع المتابعة.
نحن أمام محكمتكم لا نطلب تفضلا، ولا نبحث عن استثناء، بل نطالب بما هو جوهري وأساسي:
أن يكون قرار محكمتكم انعكاسا صادقا للأدلة وترجمة دقيقة للوقائع وتصحيحا لما أغفلته الدرجة الأولى من حقوق لا تسقط بالمراوغة ولا تمحى بالالتفاف.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة؛
نحن أمام واحدة من أكبر قضايا الفساد المالي في تاريخ هذه البلاد، حيث أظهرت الأبحاث والتحقيقات في هذه المسطرة وتكشفت أمام المحكمة حقائق مذهلة عن ثروات جُمعت بغير وجه حق، وأموال أُخذت من خزينة الدولة لتكوين إمبراطورية مالية خاصة.
فلننظر إلى حجم الممتلكات المحجوزة:
▪ 41 مليار أوقية قديمة (أكثر من 114 مليون دولار)
▪ ودائع لدى أشخاص طبيعيين وأرصدة مصرفية بمليارات الأوقية
▪ عقارات ضخمة تشمل منتجعات، أسواق، مزارع، مصانع، وشركات
▪ أسطول من السيارات الفاخرة وشاحنات وآليات ثقيلة للتنقيب
▪ مساحات واسعة من الأراضي في أفضل المواقع الاستثمارية
▪ هذا ناهيك عن الأرصدة المالية في الخارج والعقارات في فرنسا وإسبانيا وتركيا والمغرب التي لم يشملها الحجز.
هذه الأموال لم تتراكم بجهد مشروع ولم تأت من مصادر شفافة وإنما كانت نتاج استغلال ممنهج وتحويل للسلطة إلى وسيلة للإثراء غير المشروع.
لقد مُنح المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز فرصة الدفاع وواجهناه بالأدلة و بالوثائق فلم يكن منه إلا التهرب و المراوغة و التذرع بأعذار واهية، و كأن ما كُشف أمام محكمتكم و أمام مراحل هذه المسطرة القضائية مجرد مصادفات.
لكن الحقائق لا تموه، والأرقام لا تكذب.
السؤال الجوهري هنا كيف لمسؤول في الدولة أن يجمع كل هذه الثروة خلال فترة توليه المنصب؟
إن المنطق البسيط قبل النصوص القانونية يقول إن هذا الإثراء لا يمكن تبريره بطرق مشروعة.
هل يمكن لعاقل أن يُصدّق أن موظفا مهما علت درجته يمكن أن يجمع هذه الثروة الطائلة بطرق مشروعة؟
كيف لمسؤول أن يكدِّس هذه الأموال ويمتلك هذا الكم الهائل من العقارات، بينما المواطن البسيط يعاني من ضعف الخدمات وغياب البنية التحتية وندرة الموارد؟
كيف يمكن أن تتحول الدولة إلى مزرعة خاصة؟.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة،
إن ادعاء المتهم الرئيسي بأن المليارات التي رصدت لديه وصرح الشهود ببعضها كوديعة لديهم إنها من فائض حملات انتخابية ليس إلا محاولة متأخرة للالتفاف على الحقيقة.
فأين الوثائق التي تثبت مصادر تمويل هذه الحملات الانتخابية وأين التقارير التي تحدد سقفه؟ وأين السجلات التي توضح كيفية إدارة هذا الفائض أو تحويله إلى الجهة القانونية المختصة؟
لا شيء؟ مجرد كلام مرسل بلا مستندات، بلا أرقام، بلا شفافية، ولماذا لم يصرح بهذه الأموال لدى لجنة الشفافية المالية؟.
الأخطر، السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة
ليس غياب الأدلة فحسب على هذا الادعاء بل توقيت ظهور هذا الزعم الذي لم يكن مطروحا حين كان بالإمكان توثيقه قانونيا، بل جاء فقط بعد أن وُجِّهت إلى المتهم تهمة الثراء غير المشروع وأحيل أمام المحكمة، وكأن المتهم يبحث عن مهرب لا عن حقيقة.
فلو كان هناك فائض تمويل انتخابي مشروع لوجدت مستنداته في وقتها لا حين أصبح مصدر الثروة موضوع شبهة.
و بالتالي، يكون ادعاء المتهم لا يصمُد أمام التدقيق الواقعي و القانوني و لا دليل عليه بل يعكس مناورة مكشوفة للهروب من المساءلة و محاولة يائسة لتبرير ما لا يمكن تبريره.
في هذا الملف، حيث تعاظمت الأرقام، وتكاثرت المؤشرات والأدلة، وتشابكت خيوط المال غير المشروع، لم يعد للمتهم الرئيسي مفرٌّ من الحقيقة، ولا متكأ في الإنكار، ولا حيلة في ذرّ الرماد في العيون بادعاءاتٍ لا تستند إلى برهان، ولا تسعفها شواهد الواقع أو حجج القانون.
فالمادة 16 من قانون مكافحة الفساد، وهي نصٌّ صريحٌ لا يعتريه غموض، قد حمّلت المتهم عبء إثبات مشروعية ما بين يديه من أموال، في تكريسٍ لمبدأ أصيل في مكافحة الإثراء غير المشروع، وهو مبدأٌ أُسبغت عليه الشرعية الدستورية بقرار المجلس الدستوري رقم07\23 بتاريخ 06 مارس 2023، بعدما خضع لفحص دستوري دقيق، فانتهى إلى كونه متسقًا مع قرينة البراءة، وغير مخلّ بحقوق الدفاع.
وما هذا إلا امتداد منطقي لمبدأ راسخ: أن من تكدّست بين يديه الثروات، وتضاعفت حساباته إلى عنان المليارات، من غير أصل ظاهر في وظيفته أو مداخيله، لا يُطالب الادعاء بأن يثبت عليه التهمة، بل يُطلب منه أن يُفنّد ما يواجهه من قرائن دامغة.
ولما عجز عن هذا العبء، تقلب دفاعه في متاهات التناقض، فتارة يزعم أن المال "هبات من حاكم عربي"، وتارة أخرى يصفه بـ"دعم انتخابي"، ثم لمّا تبيّن له أن هذه المزاعم لا تصمد أمام مقتضيات القانون والضوابط المنظمة للتمويل الانتخابي، انبرى إلى رميةٍ أخيرة، مدّعيًا أن النص القانوني "وُلد ميتًا"، فجمع بذلك بين الاعتراف الصريح بالعجز، والطعن المرسل المجرد من السند القانوني في نص قانوني مازال نافذا دون تعديل أو إلغاء.
ومن الجدير التوقف عنده، أن المقارنة بين حجم الأموال المحجوزة – والتي تجاوزت 41 مليار أوقية قديمة – وبين ما صُرّح به أمام لجنة الشفافية، لا تُظهر مجرد خلل في التصريح، بل تفضح ثروة طائلة ناطقة، وتناقضًا لا يُدارى، وتكشف أن كل ادعاء واهٍ بالتبرير دون دليل إنما كان خيط دخان، أُريد به التمويه والتشويش.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة
ألم تكشف الوقائع المبسوطة أمام محكمتكم استغلالا ممنهجا للمنصب الوظيفي وأجهزة الدولة التنفيذية لتمرير صفقات مشبوهة في خرق صارخ للقانون ولقواعد الشفافية والمنافسة العادلة؟
أليس المتهمون فرادي وجماعات هم من فكّر وقدّر وأمر واستولي على ما يناهز 782.342م2 من العقارات العمومية عندما أعطوا الأوامر ببيع المدارس العمومية وبلوكات وسرية المرافقات وأراضي مدرسة الشرطة والملعب الأولمبي والتلفزة الموريتانية والمطار القديم ...؟
بلى !
هؤلاء،ياسيدي،
باعوا النسخة الأولى من العمران،
سرقوا الأمل من عيني علي،
باعوك…
وباعونا جميعًا في المزاد العلني.
باعوا أنجم الليل،
وهمس الأشجار، ونبض الرياح،
علقوا لافتة البيع
على كل شريان في البلاد.
إنهم هناك، خلف الكواليس،
في صمت الظلال،
ينهبون بلا خجل
آخر أنفاس الوطن.!
ألم تثبت وثائق الملف أنه تم فرض شركات بعينها دون غيرها كصفقات جوي سولار وكالباتيرو والمطار لا استنادا إلى معايير الكفاءة والاستحقاق، بل بإيعاز مباشر من المتهم الأول الذي لم يكتف باقتراحها بل تولى بنفسه قيادة المفاوضات مع بعضها في سابقة تكشف انحراف السلطة عن غاياتها المشروعة؟
و لم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما امتد إلى تهديد الممثل المحلي لشركة كالباتيرو من أجل إقصائه وتوجيه الشركة إلى أفراد العائلة ، في استغلال فج للنفوذ لتحقيق منافع شخصية .
ولمزيد من إحكام السيطرة تم تطويع النصوص القانونية لخدمة (جوي صولار) و تعديل هذه النصوص في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ البلاد لتلائم مصالح هذه الشركة في ازدراء واضح لأسس الحوكمة الرشيدة و سيادة القانون .
أليس هذا ما أثبتته التحقيقات و الأبحاث في جميع مراحل المسطرة و أمام محكمتكم بالدليل القاطع؟ بلى!
إنما نحن بصدده ليس مجرد تجاوز إداري بل إساءة جسيمة للسطلة ألحقت أضرارا كارثية بالدولة وهيبتها.
السيد الرئيس ، السادة أعضاء المحكمة
إن الوقائع التي كشفتها الأبحاث في هذه القضية لا تترك مجالا للشك في أن المتهم الأول لم يكتف باستغلال نفوذه لتمرير صفقات مشبوهة ، بل أقام شبكة معقدة من التلاعبات المالية والقانونية لخدمة مصالحه الخاصة ضاربا عرض الحائط بكل الضوابط القانونية والأخلاقية .
و نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
▪ إبرام بتاريخ 06 يونيو 2019، أي أسابيع قليلة قبل مغادرة المتهم للسلطة، عقد تأسيس بين الدولة و عيادة يملكها أقامها على أرض مغتصبة من الدومين العام بواجهة و اسم أحد المتهمين معه في محاولة مكشوفة للتمويه
▪ تخصيص أراض حكومية استراتيجية كانت مدارس و منشآت عسكرية لصالحه و لصالح أفراد عائلته ، في استغلال فج لمقدرات الدولة
▪ إنشاء شركة طيران وهمية مُنحت مئات الهكتارات من الدومين العام و حُرّر رأس مالها من أموال الدولة، في نموذج صارخ للنهب المنظم
▪ تخصيص أموال شركة اسنيم لبناء منشآت داخل منتجعه الخاص في اعتداء سافر على موارد شركة وطنية و تحويلها إلى جهة تمويل
▪ استخدام الأمن الرئاسي كأداة لتنفيذ عمليات تهريب الذهب والعملة الصعبة إلى الخارج في انتهاك خطير لسيادة الدولة وقوانينها
▪ إخفاء الحسابات المصرفية في الخارج ، في محاولة لطمس آثار الثروة غير المشروعة و قطع الطريق على أي مساءلة
▪ إنشاء جمعية خيرية وهمية استخدمت كواجهة لغسل الأموال و تبييض عائدات الفساد تحت ستار " العمل الخيري"
▪ التحالف مع كيانات عمومية لإنشاء شركة خاصة والاستيلاء على أراض بالمنطقة الحرة، لبناء مركز تجاري عليها، و هو ما اعترف به المتهم ولد بوبات نفسه في تأكيد إضافي لنهج السيطرة و الاستحواذ،
▪ إيثار بعض الأشخاص النافذين من المحيط العائلي وإساءة استعمال السلطة لحسابهم تجنيا على ممتلكات الدولة العقارية والمنقولة وتبديدا لها
▪ إيداع الأموال النقدية الوطنية والأجنبية بالمليارات لدى أشخاص طبيعيين والتعامل بها خارج إطار قانون الصرف تقويضا للاقتصاد الوطني بحرمان البنوط الأولية من هذه الأموال وعدم إدخالها في الدورة الاقتصادية، مما يؤكد عدم شرعية مصدرها والسعي إلى إخفائها وغسلها وتبييضها
هذا غيض من فيض، و ما خفى أعظم .
فكان ما كان مما لست أذكره
فظُن "شرا"و لا تسأل عن الخبر
إننا، إذن، أمام منظومة فساد ممنهج، لا مجرد تجاوزات معزولة .
إنها شبكة محكمة حولت الدولة و كيانات قانونية إلى ملكية خاصة و أخضعت مواردها و مؤسساتها لخدمة مصالح شخصية.
إن هذه الأفعال و غيرها مما سيتم بسطه تُجسّد نموذجا صارخا للانحراف بالسطلة والنفوذ وتؤكد أن المتهم الرئيسي قد جعل من البيت الرئاسي والأجهزة التنفيذية للدولة مطيّةً لأداء الرغبات و إشباع الأهواء.
لقد شكلت هذه التجاوزات نقطة اللاعودة في انتهاك القانون و تم تسخير السلطة لخدمة المآرب و المصالح الشخصية باستخدام أساليب الغش والتدليس كقُوى جاذبة تماما كما تلتهم الثقوب السوداء وتبتلع كلما يقع ضمن نطاقها دون أن تترك أثرا.
فيما يتعلق بشركة اسنيم
تم تحويل هذه الشركة إلى جهة إقراض و تمويل خارج نطاق اختصاصها.
ويتجلى هذا التجاوز الصارخ لأهداف و نظم الشركة في تحويلها عمليا إلى مؤسسة إقراض و تمويل وهو ما يشكل انحرافا واضحا عن دورها الأساسي، فقد تم:
▪ تبديد أموال الشركة بشكل غير مبرر من خلال منحها قرضا بقيمة 15 مليار أوقية قديمة لصالح شركة النجاح كمستفيد حصري دون تقديم أي قروض مماثلة لأي شركة أخرى منذ تأسيس شركة اسنيم حتى اليوم وفي ظل غياب أي تدقيق مالي يثبت ملاءة الذمة المالية للشركة المستفيدة من هذا القرض الذي لم يتم به الوفاء به.
▪ استغلال النفوذ لتوظيف المتهم محمد و لد امصبوع وما ترتب عليه من أضرار مالية جسيمة،حيث يثبت الملف أن اكتتاب المتهم وتعيينه في الممثلية التجارية للشركة في فرنسا تم بناء على تعليمات مباشرة من المتهم الرئيسي دون مراعاة المعايير المهنية أو الحاجة الفعلية للشركة، وقد تكبدت اسنيم نفقات ضخمة لتغطية راتبه و مصاريف سفره و إقامته و أسرته و تعليم أبنائه دون أن يقدم أي خدمة فعلية للشركة ، وهو ما أقر به المتهم أمام محكمتكم بأنه لم يسند إليه أي عمل أو مهام طيلة فترة ارتباطه بالشركة، مما يؤكد أن توظيفه كان لغايات شخصية تخدم مصالحه ومصالح المتهم الأول في مخالفة صارخة لقواعد التسيير السليم و حماية المال العام .
▪ تبديد أموال الشركة في صفقات مشبوهة من بينها شراء أعلاف فاسدة دون رقابة، حيث تثبت الأدلة إلى أن اسنيم أقدمت بناء على توجيهات المتهم الأول على شراء كميات من الأعلاف الفاسدة من مورد محدد دون اللجوء إلى مناقصة شفافة تضمن المنافسة العادلة ودون إجراء فحوصالجودة اللازمة قبل إتمام الصفقة ، و يمثل هذا الإجراء تبديدا متعمدا للمال العام و إهدارا لموارد الشركة لصالح أطراف بعينها دون أدنى اعتبار للمصلحة العامة
▪ صفقات الحفر المشبوهة و تضخيم التكاليف، حيث تؤكد مستندات الملف منح صفقات الحفر لشركات محددة في ظروف تفتقر إلى النزاهة حيث شابتها خروقات جوهرية عديدة و أُبرمت بأسعار مبالغ فيها، لا تعكس القيمة الحقيقية للأعمال المنجزة، و هو ما يدل على تلاعب واضح في هذه العقود بهدف تحقيق منافع غير مشروعة على حساب موارد الشركة
▪ تخصيص أموال الشركة لإنشاءات في المنتجع الخاص للمتهم الأول، حيث يتضح من الوثائق ومن التحقيقات المقام بها أن أموال الشركة لم تستخدم فقط في تمويل مشاريع خارج اختصاصها، وإنما أيضا تم تخصيص جزء منها لتنفيذ إنشاءات داخل المنتجع الخاص بالمتهم الأول في استغلال فج للنفوذ والموارد العامة لتحقيق منافع شخصية، وقد تم تنفيذ هذه الأعمال تحت غطاء إنفاق استثماري في حين أن الوجهة الحقيقية لهذه المخصصات كانت تهيئة و تطوير ممتلكات خاصة لا علاقة لها بأنشطة الشركة، مما يشكل خرقا جسيما لقواعد النزاهة و يفضح حجم التلاعب بالمال العام .
إن هذه الوقائع منفردة و مجتمعة تشكل نموذجا صارخا لسوء استغلال النفوذ و تبديد المال العام، ولا تكفي فيها فقط المحاسبة الصارمة لكل من تورط فيها كما تطالب بذلك النيابة العامة وإنما يجب أن تعوض الشركة عن ما لحقها من خسارة و ما فاتها من كسب جراء هذه الأخطاء الفادحة.
فيما يتعلق بشركة صوملك
▪ التلاعب بموارد الشركة و استغلالها خارج الإطار القانوني، حيث تم إخضاع صوملك لتعليمات مباشرة من المتهم الأول للتعامل مع شركتي جوي صولار وكالباتيرو خارج أي إطار قانوني ودون مراعاة قواعد الشفافية والمنافسة العادلة، فقد تم فرض التعامل مع هاتين الشركتين في تجاوز واضح للقوانين وضوابط تسيير المال العام
▪ تسديد أموال الشركة لجوي صولار دون أي ضمان مالي وتعديل النصوص القانونية لتسهيل ذلك، حيث يتضح من مستندات الملف أن صوملك قامت بتسديد مبالغ مالية هامة لفائدة شركة جوي صولار دون أي ضمان مالي يضمن حقوق الشركة ومصالحها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تم تعديل النصوص القانونية ذات الصلة خصيصا لتمكين هذه الشركة من الحصول على تلك المدفوعات مما يعكس و جود نية مبيّتَة لتمرير هذه العملية خارج الأطر النظامية
▪ تحويلات مالية مشبوهة إلى شخص طبيعي صيني دون أي علاقة قانونية تربطه بالشركة، حيث يكشف الملف عن عملية هذا التحويل المالي الذي تم لحساب شخص يعود لمواطن صيني دون أن تكون له أي صفة قانونية واضحة تربطه بشركة صوملك، وهو ما يثير شبهات جدية حول طبيعة هذه المعاملات و أغراضها وما إذا كانت جزء من مخطط يهدف إلى تهريب أموال الشركة إلى جهات غير معلنة.
▪ ضياع الضمان المالي الخاص بشركة كالباتيرو وشبهة تحويله إلى جيوب خاصة، حيث تؤكد التحقيقات أن شركة كالباتيرو كانت ملزمة بضمان مالي لفائدة صوملك قامت هذه الأخيرة بتحقيق هذا الضمان لفائدتها قبل التعليمات المباشرة والأوامر العليا من المتهم الرئيسي للتعامل مع هذه الشركة بعد قيادته لمفاوضات معها في مكتبه في القصر الرئاسي، إلا أن مصير هذا الضمان ظل مجهولا حيث لم يظهر في الحسابات الرسمية للشركة، مما يثير شبهة قوية بتحويله إلى مصالح خاصة بطرق غير مشروعة، وهو ما يثبت اختلاسا مباشرا لموارد الشركة و تحويلها لصالح أطراف متنفذة في تحدٍّ صارخ لمبادئ الشفافية والمسؤولية المالية .
إن هذه الممارسات منفردة ومجتمعة تضع أمام المحكمة أدلة واضحة على استغلال النفوذ وسوء التسيير لا تكفي فيه المحاسبة الصارمة لكل المتورطين فيها كما تطالب بذلك النيابة العامة، وإنما تعكس هذه الممارسات حجم الضرر الكارثي الذي لحق بأموال الشركة و تحييدها عن مسارها، الأمر الذي يحتم الحكم لها بتعويض عادل على المسؤولين عن هذه الأفعال بصفة تضامنية .
فيما يخص المنظمة الحرة
لقد كشفت الأدلة المبسوطة في الملف و الاعترافات أمام المحكمة أن ما جرى في المنطقة الحرة ليس مجرد إخلال إداري، كما يحلو للبعض أن يسميه، بل هو سلسلة متكاملة من الخروقات القانونية والانتهاكات الصارخة التي أهدرت حقوق الدولة و المواطنين على حد سواء.
▪ لا أساس قانوني لبيع أراضي المنطقة الحرة بالمزاد العلني، ذلك أن القانون يشترط صراحة إصدار مرسوم يحدد آلية التصرف في هذه الأراضي و هو مالم يحدث مطلقا، وبغياب صدور هذا المرسوم فإن أي إجراء يصبح معدوم الأثر قانونا بل يعد انتهاكا صارخا للصلاحيات و انحرافا جسيما في استعمال السلطة
▪ تم تعيين أشخاص في لجنة بيع أراضي المنطقة الحرة من خارج الحدود الجغرافية للمنطقة الحرة، وهو إجراء مخالف للقانون إذ لا تملك سلطة المنطقة الحرة أي سند قانوني يخولها تعيين هؤلاء الأشخاص، مما يجعل قراراتهم و إجراءاتهم باطلة بطلانا مطلقا .
▪ العدل المنفذ الذي يفترض فيه أن يكون الحارس الأمين على الضوابط القانونية تورط في عمليات البيع دون التقيد بالضوابط و الشروط المحددة، مما يجعل دوره في هذه العملية محل شبهة، إن لم يكن متورطا بشكل مباشر في التلاعب بمقدرات الدولة لصالح فئة بعينها، كما تثبت ذلك وثائق الملف
▪ لم يتوقف الأمر عند البيع غير المشروع، بل امتد إلى ما هو أخطر، حيث استغل المتهم رئيس المنطقة سلطته لامتلاك أراض بالمنطقة الحرة بمشاركة متهمين آخرين امتلكوا أيضا أراض بهذه المنطقة، مستخدمين في ذلك وسائل غش وتدليس، وفي نهج يؤكد سوء النية ووجود مخطط للاستيلاء غير المشروع على هذه الأملاك
▪ في صورة فاضحة لتجاوز القوانين استولت المنطقة الحرة على أراض مملوكة لمواطن يدعى ولد كركوب ومنعته من إصدار تراخيص البناء فيها، بينما سمحت للمتهم محمد ولد امصبوع ببناء مصنع على ذات الأرض بتمويل من المتهم الرئيسي، دون أن تكون قد منحتها له أصلا و دون ترخيص بناء وبواجهة شركة مؤسسة باسم شخص آخر، في محاولة للتستر على هذا التجاوز السافر
▪ لم تكتف هذه الشبكة المتنفذة بالتلاعب في عمليات البيع، بل تمادت إلى إهدار أراضي المنطقة الحرة و تركها مشاعا للمتنفذين وأعوان السلطة ليتم الاستيلاء عليها دون وجه حق، و أبرز دليل على ذلك ، الشركة المنشأة بالشراكة مع ميناء نواذيبو المستقل و التي استولت على أراض لبناء مركز تجاري في تجاوز صارخ لكل المعايير القانونية و الإدارية .
إن هذه الوقائع مجتمعة و منفردة ليست سوى حلقة من الفساد والتلاعب، حيث استُخدمت السلطة لتحقيق مكاسب شخصية دون أدنى مراعاة للقانون أو المصلحة العامة، الأمر الذي يحتم تطبيق القانون بكل صرامة ووضع حد لهذه الممارسات التي تهدد نزاهة المؤسسات واستقرار البلاد وتفرض تعويض هذا الكيان عن الضرر اللاحق به نتيجة هذه الأفعال الضارة.
السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة،
إن هذه الوقائع الثابتة والحجج الدامغة والمعطيات الموثقة التي تم بسطها أمام محكمتكم، لا تترك أدنى ريب في أن المتهم ين قد اقترفوا أفعالا نُهواعنها، وأعرضوا عن واجبات كان القانون يُلزمهم بها إلزامًا لامجال فيه للاجتهاد، كل ذلك عن درايةٍ تامة، واختيار حر، تجسيدا لمفهوم الخطأ المكرس في أحكام المواد 97 و98 من ق اع والنصوص القانونية التي تؤسس لمسؤوليتهم الشخصية عن الأخطاء التي ارتكبوها.
لقد نكلوا بالواجب، وأداروا ظهورهم لما أناطه بهم القانون، فأصبحت أفعالهم لا عذر يبررها، وإنما هي سلوك ممنهج، يدل على إرادةٍ واضحة في تجاوز الحدود، والتفريط في المال العام، وتعريض مصالح الطرف المدني ـ بل والمصلحة العامةـ لأضرار جسيمة.
إن هذه الأفعال لا يُمكن أن تُؤطَّر في خانة الخطأ الإداري، ولا أن تُلتمس لها أعذار التقدير، فهي خروج صريحٌ عن مقتضى القانون، وتعد صارخ على موجبات الوظيفة، وعبث جسيم بمنطق الدولة وهيبة مؤسساتها، مما يتعين معه أن يُحمَّل المتهمون كامل المسؤولية المدنية، دون تردد ولا تساهل، انتصارًا للحق، وجبرًا لضرر الطرف المدني،
السيد الرئيس ، السادة أعضاء المحكمة
إن ما لحق الطرف المدني في هذه القضية لم يكن ضررا عارضا ولا خسارة عابرة، بل أذي مادي ومعنوي مركب نشأ عن أفعال ممنهجة ومقصودة اقترفها المتهمون عن سابق تصميم وتواطؤ بيِّن، يحتم الحكم عليهم وفقا لمدلول المواد 118 و 119 و120 من ق ا ع.
إن الضرر الناجم عن هذه الأفعال لا يقتصر على مجرد خرق للقانون، بل يمتد في طبيعته ليصيب صميم كيان الدولة ومؤسساتها ، ضاربا مبادئ النزاهة و الشفافية في مقتل ، فهو ضرر مركب جمع بين الاستيلاء غير المشروع على المال العام و تشويه آليات الحوكمة و تقويض ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
ونطاق هذا الضرر ليس محددا بحادثة معزولة أو تجاوز إداري، وإنما كان واسعا ممتدا عبر قطاعات حيوية ، أراض من الدومين العام نهبت، أجهزة تنفيذية وظفت للمصالح الخاصة، موارد سيادية أهدرت، أجهزة أمنية استخدمت كأدوات تهريب وقوانين تم تطويعها لتأمين هيمنة المتهم الرئيسي وأعوانه.
إنه اختراق خطير لمنظومة الدولة و ليس مجرد إساءة استخدام سلطة بصفة عابرة.
إن حجم هذا الضرر لا يقاس بالمليارات التي جرى التلاعب بها خارج الدورة الاقتصادية ولا بعدد الصفقات المشبوهة التي حررت
إنما يقاس بما أحدثه من تآكل في بنيان المنظومة الاقتصادية، وتعطيل فرص التنمية وترسيخ اقتصاد "الريع" بدلا من اقتصاد التنافس و الكفاءة
إنه ضرر ضرب في الصميم أسس العدالة الاجتماعية و استحوذ على مقدرات يُفترض أن تكون ملكا للأمة بأسرها لا حكرا على فئة متنفذة .
وبناء عليه ، فإننا أمام أضرار كارثية لا يمكن تجاوزها أو التقليل من خطورتها و تستوجب محاسبة حازمة و تعويضا بحجم مالحق بالدولة من استباحة لمواردها و انحراف بوظائفها .
و بالتالي، يكون الحكم المستأنف، رغم مبدأ التعويض الذي قضى به قد جانب الصواب في تقديره بإغفاله هذه المعطيات الجوهرية المتصلة بطبيعة الضرر ونطاقه و حجمه و أبعاده.
الأمر الذي يكون معه ما قضى به هذا الحكم المستأنف من تعويض لم يرق إلى حجم الاستباحة الممنهجة للسلطة وللمال العام و لا يعكس خطورة الأفعال المرتكبة.
وفي هذا الصدد يكون تعديل الحكم المستأنف من طرف محكمتكم ليس مجرد ضرورة بل حتمية قانونية ومنطقية يفرضها حجم الضرر الذي ثبت بالدليل القاطع، وهو ما يستوجب الحكم بتعويض عادل يعكس الواقع الحقيقي للانتهاكات المرتكبة ردعا لكل من سولت له نفسه العبث بمقدرات هذه الأمة .
وبناء على هذه المعطيات وغيرها المظروفة في الملف و النصوص القانونية المنطبقة فإنني ألتمس من محكمتكم:
من حيث الشكل:
سماع القول وقبول الاستئناف الجزئي المقدم من الطرف المدني شكلا لاستجابته لجميع الأوضاع والصيغ القانونية المطلوبة.
من حيث الموضوع:
- سماع القول وقبول الاستئناف أصلا لتأسيه الواقعي و القانوني و تعديل الحكم المستأنف ليشمل الحكم ب:
- مصادرة جميع ممتلكات المتهم الرئيسي المحجوزة وغيرها التي لم يشملها التصريح الذي قام به يوم 07 اكتوبر 2010 أمام لجنة الشفافية المالية
- مصادرة ممتلكات بقية المتهمين الآخرين المحجوزة
- الحكم على المتهم الرئيسي بالتضامن مع المشمولين معه، كل فيما يخصه، بمبلغ 30 مليار أوقية جديدة، لفائدة خزينة الدولة الموريتانية
- الحكم على المتهم الرئيسي بالتضامن مع المشمولين معه، كل فيما يخصه، بأن يدفع لصالح شركة صوملك المبالغ التالية:
1- مبلغ 247.114.035 أوقية جديدة تمثل ما تم تسديده دون عوض لشركة جوي صولار بالإضافة إلى كلفة ترميم شبكة الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية.
2- مبلغ 43.500.000 دولار أمريكي تمثل الفرق بين سعر الفائدة المطبق على قرض اكزيم بانك وسعر الفائدة المطبق على القرض الذي كان ممنوحا من طرف الصناديق السعودية، كل ذلك تعويضا لها عن الأضرار المباشرة.
3- مبلغ 145.000.000 دولار أمريكي ، تعويضا لها عما فاتها من كسب،
4- مبلغ 600.000.000 أوقية جديدة ، تمثل تعويضا عن الأضرار المعنوية الأخرى .
- الحكم على المتهم الرئيسي بالتضامن مع المشمولين معه، كل فيما يخصه، بأن يدفع مبلغ 20.490.000.00 أوقية جديدة ،لصالح شركة سنيم تمثل تعويضا عن الأضرار المفصلة في التقرير الموجود عند المحكمة.
- الحكم على المتهم الرئيسي بالتضامن مع المشمولين معه، كل فيما يخصه، بأن يدفع مبلغ 179.730.690 أوقية جديدة ،لفائدة المنطقة الحرة بنواذيبو، تمثل تعويضا عن الضرر المادي المباشر الذي لحق بها بسبب بيع عقاراتها ، بالإضافة إلى مبلغ 100.000.000 أوقية جديدة عن الأضرار المعنوية المتنوعة التي لحقت بها .
- التصريح ببطلان كافة التصرفات المتعلقة بالعقارات في نواكشوط ونواذيبو
- رفض جميع طلبات الاسترداد وحمل الرسوم والمصارف القضائية على خاسر الدعوى
السيد الرئيس السادة أعضاء المحكمة
إن الحكم الذي ستصدرونه في هذه القضية لن يكون مجرد سطور في أوراق، بل سيكون علامة فارقة في تاريخ العدالة تجسيدا لموقف تاريخي في سجلها الذهبي.
أثق بعدالتكم وأعلم أنكم ستنطقون بالحكم الذي يليق بهذا الوطن و بهذه القضية
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.