رفعت العشرات من مجالس المدن الفرنسية العلم الفلسطيني بينما كان الرئيس، إيمانويل ماكرون، يعترف بدولة فلسطينية في وقت سابق من الأسبوع، في تحد لتعليمات وزارة الداخلية بعدم القيام بذلك.
ولكن اليوم الأربعاء، أنزلت بعض مجالس المدن العلم بعد أن بدأت السلطات الإقليمية في اتخاذ إجراءات قانونية.
وقال بعض رؤساء البلديات إن ذلك قوض رسالة التضامن التي سعى ماكرون إلى توصيلها من خلال اعترافه الذي يعد رمزيا إلى حد كبير.
وقال رئيس بلدية نانتير، رافاييل آدم، لرويترز «إنه أمر مربك جدا بالنسبة لي... لا يمكن أن تطلب الحكومة من ممثليها معارضة رفع العلم في نفس الوقت الذي تعترف فيه بدولة (فلسطينية».
ورفعت المدينة العلم، يوم الاثنين الماضي، احتفالا بالاعتراف، لكن المحكمة الإدارية في نانتير قضت بعد ذلك بيوم بضرورة إنزاله بعد أن تحدت المدينة أمرا حكوميا بإنزاله.
«لا حيادية»
وبموجب القانون الفرنسي، لا يمكن استخدام المباني العامة منصات للتعبير عن الآراء السياسية أو الدينية أو الفلسفية، غير أن مسؤولين محليين أشاروا إلى أنه تم رفع العلم الأوكراني وحتى عرضه على برج إيفل.
وقال رئيس بلدية لا كورنوف شمال شرقي باريس، جيل بو، الذي قرر إنزال العلم في وقت متأخر من أمس الثلاثاء بعد فرض غرامة على البلدية لأنها رفعت العلم في وقت سابق من العام «لم يقل لنا أحد أي شيء عندما رفعنا العلم الأوكراني!».
وأضاف «الحديث عن الحياد نفاق، الحرية والمساواة والإخاء، لا حيادية في هذه القيم».
وردا على سؤال عن اتهامات الكيل بمكيالين، قالت وزارة الداخلية الفرنسية لرويترز إن حرب غزة أثارت احتجاجات وتوترا في فرنسا، وإن رفع العلم الفلسطيني على المباني العامة قد يثير اضطرابات عامة.
وقالت الوزارة إن 86 من مجالس المدن الفرنسية رفعت العلم الفلسطيني حتى مساء أمس الثلاثاء.
وأبلغت الوزارة ممثلي الحكومة في المدن الأسبوع الماضي بمنع مثل هذه التحركات لأنها تتعارض مع «مبدأ الحياد» الفرنسي.
وقالت رئيسة جمعية (التضامن مع فلسطين) الفرنسية، آن توايون، إنه لا مجال للحياد «في حالة القمع»، في إشارة إلى الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال وهو محام متخصص في القانون العام الفرنسي، ليونيل كروزويه، إن قرار وزارة الداخلية «لا معنى له».
وأضاف «مبدأ الحياد في الخدمات العامة لا يمنع أي بلدية من إظهار التضامن من حين لآخر تجاه شعب يتعرض لعدوان عسكري أو هجوم إرهابي على سبيل المثال».
انقسامات داخلية
والإثنين، رفعت بلديات فرنسية عدة العلم الفلسطيني احتفالًا باعتراف باريس بدولة فلسطين، وذلك رغم معارضة وزارة الداخلية والأحكام القضائية الأولية التي قضت بعدم الإقدام على ذلك.
وتثير قضية الاعتراف بدولة فلسطين، التي تُعد خطوة رمزية بالأساس، انقسامًا داخل المجتمع وبين الطبقة السياسية في فرنسا.
وطلب وزير الداخلية المستقيل، برونو روتايو (حزب الجمهوريين، يمين) من البلديات عدم رفع العلم الفلسطيني. وقال في برقية اطّلعت عليها وكالة «فرانس برس» إن «مبدأ حياد الخدمة العامة يحظر مثل هذا التزيين بالأعلام»، داعيًا المحافظين للجوء إلى القضاء الإداري ضد قرارات رؤساء البلديات الذين لن يتراجعوا عن ذلك.
غير أنّ رؤساء بلديات رفعوا العلم الفلسطيني فوق مباني بلدياتهم، رغم الأحكام القضائية الأولية.
وقالت رئيسة بلدية نانت، جوانا رولان (اشتراكية)، على منصة «إكس»: إن «نانت تدعم هذا القرار من قبل الجمهورية الفرنسية عبر رفع العلم الفلسطيني لهذا اليوم». وكان العلم الفلسطيني يرفرف من قبل فوق مبنى بلديتها في نانت، إحدى كبرى مدن غرب فرنسا، وفق مراسل فرانس برس.
في مالاكوف، قررت رئيسة البلدية الشيوعية جاكلين بيلهوم عدم إزالة العلم الفلسطيني قبل الثلاثاء، متجاهلة أمرًا قضائيًا صادرًا عن محكمة إدارية بناء على استئناف قدّمه محافظ المنطقة.
من جانبه، بدا وزير الخارجية جان نويل بارو حذرًا بشأن الانجرار إلى النقاش حول ما وصفه بأنه «يوم تاريخي للسلام». وقال لقناة «تي إف 1»: «لا أريد أن يتم استغلاله في جدالات سياسية، لتقسيمنا بينما نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الاتحاد لنكون أقوياء».
مع ذلك، تثير هذه القضية انقسامًا داخل اليسار نفسه. فقد أعلنت بلدية كريتيل، جنوب شرق باريس، أنها لن تحذو حذو البلديات الأخرى التي يهيمن عليها اليسار. وأكد رئيس البلدية لوران كاتالا (الحزب الاشتراكي) أن «مسؤوليته الأولى يجب أن تكون الحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل البلدية».
وأدان مسؤولون منتخبون وممثلون لحزب الجمهوريين والتجمّع الوطني بشدّة هذا التحرّك البلدي، واصفين إياه بـ«المناورة». وأعلن رئيس منطقة بروفانس ألب كوت دازور (جنوب شرق)، رونو موزولييه (حزب النهضة بزعامة ماكرون)، أنه سيرفع نحو 20 علمًا فرنسيًا ردًا على ما وصفه بـ«حسابات سياسية».