تحليل : موريتانيا مسارسياسي مضطرب ... ومؤشرات تنموية محدودة ــ الجديد نيوز

 

أحيت موريتانيا يوم أمس الذكرى ال64 لعيد الاستقلال المجيد .

شهدت مسيرة الستة عقود تلك نجاحات كثيرة وإخفاقات ، ولكن الحقيقة التي ظلت ثابتة هي إنشاء دولة من العدم في بيئة طاردة وبسواعد وطنية في تاريخ وبقعة جغرافية مليئة بالقلاقل والحسابات السياسية والجغرافية المقعدة .

التحليل التالي يتناول موضوع موريتانيا .. النجاحات والاخفاقات ...

 

تحديات التأسيس

ولدت موريتانيا في ظل تحديات كثيرة تتمثل أهمها في صعوبة الحصول على الاستقلال والخلافات السياسية الكثيرة بين نخبها حول علاقة الدولة الوليدة بالقوة الاستعمارية "فرنسا" وكذلك تحديات تنازع السيادة مع المغرب ومشكلة حسم الهوية "إفريقية أم عربية "  بالإضافة لمشاكل انعدام البنية التحتية والكوادر المؤهلة والصعوبات المتعلقة بنشأة دولة في ظل مجتمع متنقل سكانه بدو رحل ولا علاقة لهم بالتحضر وارتفاع نسبة الأمية والتخلف .

وكذلك تحديات الزعازع السياسية كالإضرابات ضد التعريب وضد نظام  الحزب الواحد وعدم الاستقرار  السياس في مرحلة الستينات والسبعينات.

ومع تحقيق إنجازات مهمة في وضع اللبنات الأساسية للدولة كالعلم والنشيد والجيش والحكومة وإنشاء عملة مستقلة وتأميم أكبر شركة للمعادن بالبلد والشروع في وضع البنى التحتية الأولى في مدينة نواكشوط وبناء طريق الأمل وميناء نواكشوط والملعب الأولومبي وغيره، مع تكوين الكوادر لتسيير العمل في الإدارات المختلفة فإن الوضع السياسي ظل متوترا بين الحزب والحاكم والحكومة والرئيس من جهة والحركات الطلابية والأيديولوجية التي كانت تتحكم في الساحة الطلابية والرأي العام من خلال نشاط واسع وتوعية كبيرة من ناحية أخرى ،كما ساهم دخول  حرب الصحراء 1975 في تعجيل نهاية هذا النظام  .

فترة الانقلابات المظلمة ...

دخلت موريتانيا دوامة من الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي لفترة طويلة 1978- 1984 كانت هي الحقبة مظلمة ولا إنجازات تذكر يها باستثناء انشاء قانون الاجراءات الجنائية وما وصف وقتها ب"تطبيق الشريعة" وانشاء قانون الملكية العقارية وتحرير العبيد.

في المقابل شهدت الفترة من 1981- الى 1984 قمعا سياسيا كبيرا وتضييقا على الخصوم ، وامتلأت السجون بالمعارضين وهرب الكثير من السياسيين وقادة الرأي للخارج ، كما حدثت أشهر محاولة انقلاب.16 مايو تلتها محاكمة عسكرية وتم اعدام الضباط الرئيسيين المشاركين فيها .

هدوء في ظل ديمقراطية القبيلة...

حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع البلاد 21 عاما وتوزعت فترة حكمة الى قسمين :

الفترة العسكرية : 1984- 1990 كان نظامه عسكريا ولكنه لم يكن سلطويا ولا قمعيا في تلك الفترة وكان يستمع للمشورة بحسب المقربين منه .

الفترة المدنية : 1991-2005 كانت هذه الفترة بداية ما وصف بالمسار الديمقراطي في يوليو 1991 وتم استفتاء شعب على دستور جديد ووضع أول قانو للصحافة المكتوبة الخاصة وصف من طرف المهتمين بأنه "قانو إجراءات جزائية" .

وبما أن المسار الديمقراطي كان مفروضا على النظام ضمن ما عرف بمؤتمر "لابول" الذي نظمته فرنسا لمستعمراتها السابقة وضغطت عليها لتبنيها الديمقراطية فإن ولد الطايع حكم البلاد لأطول فترة  من خلال تشجيع  القبلية مما وفر له "ماكينة انتخابية "يحكم بها ضمن أغلبية تدور حول الحزب الحاكم وكانت الانتخابات تحسم بالتصويت على أسس قبلية ليس أكثر، وقد شابها التزويرأكثر من مرة .

في بداية هذا العهد كان هنالك متنفس ضمن الصحافة الخاصة عبر أقلام صحفية جادة تكتب وتنتقد بصورة بناءة لكنها سرعان ما أسكتت صحفها عبر منع الصدورأو المصادرة "الماد11"  ثم في بداية الآلفية تم تمييع الاعلام  الخصوصي..

شهد هذا العهد الكثير من الإنجازات في البنية التحتية ومشروع الاتصالات "دومسات" الذي يربط موريتانيا بالعالم الخارجي وكانت حماية الهوية العربية والموازاة بينها مع الانتماء الافريقي حاضرة، كما اهتم بتطوير الاقتصاد وأدخل مؤسسات التمويل الدولية الى موريتانيا وتبنى ليبرالية السوق  وتبنى اصلاحات لهيكلة الاقتصاد، كما تم تبني اصلاح1999 للتعليم .

بيد أن عدم تجديد النظام وخلوده عبر ماكينة انتخابية آلية جعله يشعر يتذوق طعم السلطة ويحرص عليها ، وهكذا بدأت مرحلة الاعتقالات ضد الناصريين 1998 ثم الإسلاميين وجاءت العلاقة مع إسرائيل لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير وساهمت في مزيد من حنق الشعب على النظام.. ووقعت هزتان انقلابيتان يونيو 2003 واغسطس 2004 ولكن كل هذه التنبيهات لم تكن كافية.

نهاية غير متوقعة ...

بعد ان فاضت الكأس بأخطاء النظام قرر ضباط من صلبه الانقلاب عليه والرئيس في سفر خارجي  للرئيس 03 أغسطس 2005 حيث كان الانقلاب غير متوقع نهائيا؛  بسبب تحكم النظام في مفاصل الدولة بالقبلية والجهوية والمحسوبة وغضه الطرف عن الفساد وإقامة الحفلات الكرنفالية وتسويق الشعارات الوهمية "حملة الكتاب والمطالعة ، والغذاء مقابل العمل ، نشيد الكتاب" .

العصر الذهبي للديمقراطية ...

حدد المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية فترة انتقالية وأقام تشاورا واسعا شمل الجميع من أحزاب وهيئات مجتمع مدني وإعلاميين وشخصيات وطنية...

أسفر المسار الديمقراطي الجديد عن أول انتخابات نزيهة فاز فيها الرئيس المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله وسلم له رئيس الفترة الانتقالية المرحوم العقيد اعل ولد محمد فال السلطة في حفل بهيج وصارت موريتانيا منارة للديمقراطية عربيا وإفريقيا .

استغرق الحكم الجديد فترة وجيزة وهيئت له القلاقل من الدولة العميقة التي يبدو أنه كان على خلاف مع بعضها وهدد مصالحه انتهت هذه الفترة بانقلاب عسكري في 6 أغسطس 2008.

مرحلة جديدة .. التنمية والاستقرار

حكم الرئيس السابق محمد لد عبد العزيز بعد الانقلاب ونظم انتخابات بعد ضغط دولي على الحكومة السكرية الجدية  فاز في الانتخابات الجديدة 2009 ، وكانت مرحلته مليئة بالإنجازات التنموية حيث شهدت البلاد نهضة في البنية التحتية نسبيا واستقرارا اقتصاديا وتنوعا في الاقتصاد وتحسنا في مؤشراته وفي مجالات التنمية المختلفة وم أهم المشاريع في عهده انشاء وكالة الوثائق المؤمنة .

لكن على المستوى السياسي كان نظام ولد عبد العزيز متمردا على المعارضة وعرفت أيامه الكثير من المسيرات المناهضة له ولكنه في المقابل وسع من حرية الصحافة وسن قانون تحرير السمعيات البصرية .

وقد تبنى في عهده شعارات من قبيل "رئيس الفقراء ورئيس العمل الإسلامي " وتعهد بمحاربة الفساد .

يقول خصومه السياسيون إن نظامه استبدادي وديمقراطيته شهدت الكثير من التزوير وأدار الدولة على شاكلة مؤسسة تجارية .

انتهى عهده بانتخابات فاز فيها الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني 2019 وسلم له السلطة، ولكن تبعات 12 عاما في الحكم مازالت تلاحقه عبر المحاكم بعد ماعرف ب"التحقيق البرلماني".

كان عهد الرئيس الحالي عهد تنمية في ظل الاستقرار وقد واصل مسيرة البناء والنماء ولكنه كان عكس سلفه هادئا ومتصالحامع الجميع حيث فتح باب القصر الرئاسي أمام كل معارضيه  .

وقد حقق نجاحات تنموية وديبلوماسية كبيرة لموريتانيا في مأموريته الأولى وهو الآن في الشهر الأولى من مأموريته الثانية ومازالت المشاريع الهامة في عهده مستمرة كالمدرسة الجمهورية ومحاربة الفساد وتحقيق السيادة الغائية والانحياز للطبقات الهشة .

ورغم ستة عقود من الاستقلال مازالت البلاد المؤشرات التنموية محدودة في أهم المجالات كالصحة والتعليم والغذاء والبنية التحتية والاتصالات والحكامة الرشيدة ومحاربة الفساد والتشغيل .

حكم الواقع ...

مسار سياسي مضطرب .. ومسيرة تنموية متعثرة ونخبة تدور حول الحاكم في الغالب ... تلك هي حقيقة ست عقود ويزيد من عمر البلاد التي نشأت ضمن ما يعرف ب"المنكب البرزخي" ووصفت ب"ببلاد السيبة" .. ترى متى نقضي على تلك الأوصاف السلبية ونصل لبر أمان التنمية والرخاء؟