في خضم التحولات التاريخية التي تشهدها الساحة السورية، يبرز الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع كنقطة تحول محورية في المسار السياسي للبلاد.
هذا الإعلان، الذي جاء في مرحلة حساسة من الانتقال السياسي، يحمل في طياته آمالًا كبيرة بتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، إذ يسعى إلى وضع أسس جديدة لحكم ديمقراطي يرتكز على سيادة القانون وحقوق المواطن. غير أن تلك الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى قدرتها على كسب ثقة جميع الأطراف السورية، خاصة في ظل الانقسامات العميقة التي خلفتها سنوات النزاع.
فهل سيكون هذا الإعلان حجر الأساس لتوحيد الصف السوري وطي صفحة الماضي، أم أنه سيفاقم الانقسامات ويعمّق الهوة بين مكونات الشعب؟ وكيف سيتعامل مع تطلعات السوريين بمختلف أطيافهم؟
الإجابة على هذه التساؤلات ستحدد ما إذا كان هذا الإعلان الدستوري خطوة نحو مستقبل مشرق أم مجرد وثيقة تضاف إلى سجلات التاريخ.
هذا، وأكدت لجنة صياغة الإعلان أنه سيكون مقدمة لإعداد دستور دائم لسوريا.
وقد أشار عبد الحميد العواك، عضو اللجنة، إلى أن مجلس الشعب - وفقًا للإعلان الدستوري - سيمارس السلطة التشريعية، ويتولى عزل رئيس الجمهورية أو قبول استقالته.
سميرة مبيض: الجهات التي وضعت الإعلان الدستوري في سوريا لا تمتلك أي شرعية
من جانبها، قالت الدكتورة سميرة مبيض، السياسية والأكاديمية السورية، إن الجهات التي أصدرت الإعلان الدستوري في سوريا لا تمتلك الشرعية لإصدار أي إعلانات دستورية أو حتى لتشكيل لجان، وهذا يرجع إلى أننا نعلم الحالة التي وصلت بها هذه الفصائل إلى السلطة.
وأضافت، في مقابلة مع قناة الغد، «نحن اليوم في حالة حوكمة فصائلية دون مستندات دستورية أو انتخابات، وإن كان يحق لمن يصل إلى السلطة بشكل استثنائي أن يصدر إعلانًا دستوريًا، فذلك مشروط بألّا يكون قد ارتكب انتهاكات بحق الشعب».
وتابعت: «لا توجد شرعية لهذه الجهات لوضع ورقة تتعلق بالشأن السوري، لا سيما مع إلغاء كافة أشكال التنوع الديني في سوريا من خلال وضع الفقه الإسلامي مصدرًا للتشريع، تماشيًا مع الدستور السابق، مع العلم أن سوريا هي مهد الأديان السماوية، وحرمان من ينتمي لهذه الأديان من حقوق المواطنة والمشاركة الفاعلة في قيادة البلاد».
وأوضحت أن «وضع بند الفقه الإسلامي في الإعلان الدستوري يعدّ إعلانًا عن توجه أيديولوجي ديني، وهذا التوجه لا يمكن أن يحكم بلدًا يتمتع بتنوع ديني ومذهبي وطائفي، وإن كنا نحترم التوجه الديني كمرتكز إنساني، إلا أنه لا ينبغي أن يكون أساسًا سياسيًا لقيادة بلد كسوريا».
غسان يوسف: هذه أبرز البنود الجدلية في الإعلان الدستوري الجديد في سوريا
بدوره، قال غسان يوسف، الكاتب والباحث السياسي، «إننا نعيش اليوم في سوريا مرحلة انتقالية صعبة تأتي بعد 14 عامًا من الحروب، وإن كانت اللجنة التي قامت بإعداد الإعلان الدستوري لا تمثل كل أطياف الشعب السوري».
وأضاف، في مقابلة مع قناة الغد، أن «البعض كان يتوقع أن يتضمن الدستور إشارة إلى الدولة المدنية أو تحديد الفترة الانتقالية بعامين قبل إجراء الانتخابات، كما لاحظنا التركيز على الفصل بين السلطات وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ووضع الوزراء تحت تصرف رئيس الجمهورية».
وتابع: «هؤلاء الوزراء لا يحق لمجلس الشعب - الذي يتم تعيين ثلث أعضائه - استجوابهم، كما لا يحق لأي جهة مساءلة رئيس الجمهورية، باستثناء المحكمة الدستورية التي يقوم هو أيضًا بتعيينها».
وأشار إلى أن «الناس في هذه البلدان اعتادت على أن تكون الدساتير على هذا النحو، باستثناء دستور 1950 الذي كان من بين الدساتير المتقدمة، ليس في سوريا فحسب، وإنما في العالم».
وأردف: «كان من ضمن من كتبوا دستور 1950 الدكتور ناظم القدسي، الذي كان يحمل دكتوراه من جنيف، وكان هو ومن معه يطمحون إلى جعل الدستور السوري نموذجًا يُحتذى به في المنطقة والعالم، ونجحوا في ذلك، إذ كان للبرلمان دور كبير في هذا الدستور. أما الآن، فنحن في مرحلة انتقالية ولسنا بصدد دستور دائم، وإنما إعلان دستوري مؤقت».
الشرع يوقع على مسودة الإعلان الدستوري
أعلنت لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري في سوريا عن تفاصيل مهمة تتعلق بمحتوى المسودة، مشيرة إلى أنها تركز بشكل رئيسي على العديد من المبادئ الأساسية المتعلقة بالحقوق والحريات.
ونصّت مسودة الإعلان الدستوري، التي وقعها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، اليوم الخميس، على بقاء الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع.
وقال الشرع، بعد تسلّمه مسودة الإعلان الدستوري، «نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخًا جديدًا لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالاستقرار».