الموروث الثّقافي في موريتانيا: حاضر مشرق وماضٍ مجيد

الجديد نيوز

محمد /سيدناعمر 

 

موريتانيا شعب متعدد الأعراق يرسم لوحة فسيفسائية لهًوية ثقافية متنوعة وصًلبة عمادها الدين الإسلامي وترسيخ التضامن بين مكونات الشعب في ظل الانفتاح.

غنى الموروث الثقافي الموريتاني يمتاح من منابع متعددة كالدين واللغة والموقع الجغرافي المتميز والتبادل الثقافي الخارجي.

اللوحة الفسيفسائية للموروث الثقافي ذات ألوان زاهية بالأدب والشعر وشجية بعذب الألحان الموسيقية، مطرزة بأنواع اللباس التقليدي والحًلي ..يحكي التاريخ عنها في المتاحف وتروي الكتب والمخطوطات سيرتها العطرة بين السطور.

إطلالة على تنوع الموروث الثقافي الموريتاني في التقرير التالي :

 

كشكول ...يُغنّي للحياة

يعكس الشارع الوطني غنى الموروث الثقافي المحليّ بصفة عامة وخاصة في مدن الضفة ؛ ألوان زاهية لأبسة متنوعة، تقاليد ضاربة في جذور التاريخ، لسان ناطق بلغات وطنية مختلفة .. حياة اجتماعية منسجمة.

الموسيقى تعزف لحن الانتماء الوطني لكل المكونات .. الشعر الفصيح واللهجي ديوان للجميع يشدو بأمجاده ويحفظ تاريخه .. المناسبات الاجتماعية ترسيخ لقيم التفاهم والتعايش.

الأمثال والقصص الشعبية تنهلً من معين اللغات الوطنية وتتناقلها الأجيال في سرد جميل وممتع .. بل إن بعض شعراء الفصيح استهوته "ازريكه" فدمج بالفصيح لهجات وطنية أثرت التجربة وأطربت السامع.

مهرجانات وحفلات ملأت الدنيا وشغلت الناس بعضها تصدح بالموسيقى العربية والإفريقية ذات الألحان  والكلمة والمقامات المختلفة، والبعض الآخر يعكس ثقافة مًكونة معينة  ترمي لرسم لوحة جميلة لثقافتها .

السلطات العليا بالوطن تشيد صروحا مكينة تسهم بقوة في ترسيخ وثراء الموروث الثقافي.

بين التلال وعلى ضفاف نهر السينغال نظم مهرجان "جول" الذي يرنو إلى النهوض بتاريخ المنطقة وتشجيع التنوع الثقافي وإبراز الإشعاع الديني والروحي والفلكلوري للولايات الواقعة في الضفة ذات الخصوصية التاريخية المبنية على التآخي والتلاحم وحسن الجوار.

رؤية رسمية عميقة 

مافتئ رئيس الجمهورية يؤكد على أهمية الموروث الثقافي في ترسيخ التعايش وقوة الوطن باعتبار أن الثقافة هي الضامن الأول للاستقرار والتنمية يقول في فقرة من خطاب الافتتاح في مهرجان (جول) :"إن من  أقوى موجبات صمود الأمم والشعوب هو اعتزازها بموروثها الثقافي، الذي يكسبها معناها وقيمها واستمراريتها التاريخية" 

 

تجسيدا لتلك الرؤية الرسيمة الطموحة تم إنشاء مجلس وطني للتراث الثقافي (له دور استشاري) يهدف إلى  تعزيز المنظومة الوطنية لحماية التراث الثقافي المحسوس ضد المخاطر التي قد يتعرض لها سيسمح للقطاعات المعنية بحفظ وصيانة التراث.

وقد وضعت خطة لتنمية التراث الثقافي وحماية الهوية الوطنية وتنمية الاقتصاد والقيام بإحصاء شامل لجميع مكونات التراث: تكوين لأطر العاملين في التراث، المكتبات والمتاحف، إقامة مهرجانات ثقافية، تسجيل التراث اللامادي، متاحف جهوية ومتخصصة .

صور من ذاكرة المورث الثقافي 

حرصا على الإشعاع التاريخي للمدن القديمة باعتبارها الحاضنة الأولى للتراث الثقافي بالبلاد تنظم وزارة الثقافة مهرجانات سنوية  تجمع بين استذكار التاريخ وعرض الموروث الثقافي وخلق تنمية اقتصادية حقيقية تساعد على تثبيت السكان في هذه المدن والعمل على تعميرها.

النسخ الماضية رسمت صورا عن الموروث الثقافي من خلال المنتوجات المحلية والفلكلور الشعبي، وكرست قيم الحياة الموريتانية الأصيلة  واستمتع الجمهور فيها بالجمع بين عذب الشعر وشجي الألحان التي قدمتها فرق موسيقية وطنية عريقة.

كان أيضا للمخطوطات مكان في المهرجان حيث أزيح الغبار عن مكنون علماء الشناقطة الأوائل العلمي في مكتبات تلك المدن العتيقة التي سعت الدولة للحفاظ عليها باعتبارها مخزونا ثقافيا لايقدر بثمن .

توزيع الجوائز وتنظيم المسابقات في الشعر والموسيقى والرماية والألعاب التقليدية والوجبات المحلية وغيرها مظاهر تعكس جزءا من سيمفونية تعزف على إحياء التراث الثقافي وتثمينه بشكل دائم .

عزف على وتر الحقيقة 

استذكارا للماضي الجميل أيام كان الجميع تحت سقف مدرسة واحدة وكانت البرامج التربوية حينها غنية بالحدبث عن نشاة الدولة وقيمها كما كانت تلك الكتب تخصص صفحات للتراث الثقافي عبر الحديث عن أبرز الشعراء والأباء والكتاب وحتى الماهرين في مجال معين .. تحكي عن سيرهم الذاتية ومنجزاتهم.

عودة لتلك الفترة الذهبية من تاريخ البلاد تقوم السلطات العليا بمجهود رسمي لإنشاء المدرسة الجمهورية وتعمل على مراجعة البرامج التربوية بما يخدم ترقية الموروث الثقافي وتنشئة الجيل الجديد على روح الوطنية والتضحية واستكشاف ثقافة وتراث  الوطن .

في لمسة وفاء وتكريسا لقيم ثقافية هامة تمت تسمية بعض الشوارع والساحات العامة على رموز وطنية من بينهم عدد من أبطال المقاومة الوطنية وبعض الشخصيات الهامة ..تلك الخطوة الرمزية لها دلالة كبيرة .. كل شخصية تمثل جزءا من تاريخ هذا البلد في حقبة معينة وليس التاريخ إلا وعاء للثقافة.

جوانب أخرى من التراث الثقافي حرصت السلطات على أن تبقى مضيئة (برنامج حماية المدن القديمة، بناء قرية للصناعة التقليدية، إنشاء مؤسسات رسمية للحفاظ على التراث الثقافي كالمعهد الموريتاني للبحث العلمي ووظيفة المحافظ الوطني للتراث وتعمل السلطات على عقد شراكات ووضع استراتيجيات لحماية التراث) تسجيل مدن قديمة ومساجد ووجبات ضمن التراث العالمي لليونيسكو في خطوة تعكس أهميتها التاريخية الوطنية كجزء من التراث العالمي 

في سبيل إنارة الدرب على غنى الموروث الثقافي يبرز الاهتمام بالصناعة التقليدية باعتبارها حاضنة لقيم الثقافة المحلية القديمة في شتى تجلياتها من أدوات زينة وموسيقى وأواني وسلاح ولباس وفراش وأدوات صيد وزراعة ...

تساهم المعارض التي تقام في الخارج بشكل كبير في إنارة الصورة حول الموروث الثقافي للبلاد وتسويقه باعتبارها أداة للتعريف بالبلاد من جهة ووسيلة لجلب السياح إليها من جهة أخرى.

القصص والأمثال الشعبية (حاضنة هامة للموروث الثقافي المحلي)وهي موجودة في بعض المؤلفات وتحظى بوافر العناية من بعض المهتمين، وما يزال جزء كبير منها رهين الثقافة الشفهية في انتظار التدوين.

اللباس والمناسبات الاجتماعية مظهر يعكس قوس قزح من الأعراف والتقاليد لدى مكونات الشعب المختلفة؛ ولكن يبقى القاسم المشترك فيها هو "العقد الشرعي" واختلاف في الأزياء وبعض طقوس حفلات الزفاف ... في نهاية المطاف هي فرح للجميع ومكان للسعادة .

شعب متعدد الأعراق ... موروث ثقافي غنيّ ..موقع جغرافي حضاريّ ..لوحة ثقافية متنوعة الألوان والدلالات .. رؤية رسمية عميقة للموروث الثقافي ... جهود كبير في خدمته.. تناغم شعبي مع الجهود الرسمية ... حرص دائم على التعايش والانسجام .