محطة الكاوية..كرم موريتاني في مجاهل الصحراء


الجديد نيوز / تيشيت/ محمد سيدناعمر


أمواج متلاطمة من الرمال ... صحراء جرداء عبثت بها سنوات الجفاف ، نقمة الطبيعة تظهر في كل مكان.
الإنسان الموريتاني خبر العيش في مثل تلك البيئة القاسية .. 
الكرم وتقديم واجب الضيافة من الصفات الموريتانية الأصيلة..
توتو بنت عبدى موريتانية طاعنة في السن تعيش في تلك البيئة القاسية..
"الكاوية" اسم المدينة الرمز..  هنا يلتقط المسافرون أنفاسهم بعد رحلة طويلة وشاقة بين مدينتي تجكجه وتيشيت.
حكايات طويلة وصور متعددة لمغامرات المسافرين في تلك البيئة القاسية حيث تبسط الصحراء سلطانها .. الإنسان هنا يعيش في صراع مستمر مع الطبيعة .


بيئة قاسية ...ومجاهل صحراوية 

  
طريق صعبة ووعرة .. رمال متحركة  .. وهضاب تنتصب شاهدة على عنفوان الصحراء وبسط سلطانها التام على الطبيعة .. صحراء جرداء.. نباتات قليلة تصارع عوامل التعرية التي خلفها الجفاف.. أشعة شمس لافحة .. الكون ملك هنا لثنائية الرمال وسطوة المناخ المتقلب، والإنسان ألعوبة بينهما.
الرحلة طويلة وشاقة تقطعها سيارات الدفع الرباعي المتجهة إلى جوهرة الصحراء "تيشيت" في 18 ساعة ..بمعدل سرعة لايتجاز13 كلم للساعة في أغلب محطات الطريق الصعبة.
غياب مسارات تحدد الاتجاه في صحراء مترامية الأطراف ، انعدام وسائل الحياة الضرورية من مياه وإنارة ومحطات استراحة  تجعل  كل الرحلات المتجهة إلى هناك محفوفة بالمخاطر.
مخاطر متنوعة .. ابتلاع الرمال لعجلات السيارات .. تعطلها نتيجة مصارعة الرمال.. ... نفاد الزاد .. غياب الدليل في الطريق ..
من غرائب الحياة في هذه البيئة الجافة أن نقاط المياه نتيجة الندرة أغلى من مقالع الذهب، وأن تتبع أثر القوافل والسيارات هو الضمانة الوحيدة لعدم الضياع  في بحار الرمال المتحركة !!
وحدها سفينة الصحراء.. وسيلة نقل مفضلة عند السكان البدو لما توفره من ضمانات وسهولة عبور طرق الرمال المفتوحة على المجهول..
ووحده الإنسان البدوي يعيش منتشيا في هذه الصحراء .. يعرف مجاهيلها ويتكيف معها عبر وسائل اقتصادية تناسبها .. تأقلم مع حرّها صيفا وقرّها شتاء فلم تعد تزعجه عواصفها الهوجاء أغلب فصول السنة.

 

الكاوية .. القرية الرمز


الكاوية بلدة صغيرة تقع على بعد 65  كلم من تجكجة .. أعرشة قليلة متناثرة .. لكنها نفحة نعيم تستقبل العابرين بعد جحيم رحلة طويلة وشاقة.
في عريشها المتواضع تقدم السيدة توتو منت عبدى منذ 35  سنة واجب الضيافة الموريتانية الأصيلة  لمن يفد إليها من عابر السبيل في تلك الرحلات السيزيفية .
الحليب السائغ والرائب المستطاب وكؤوس الشاي وما تيسر من غذاء  مصدره ما تنتجه البيئة البدوية الموريتانية التي تقوم على ثنائية الرعي وتنمية الحيوان .
توتو طاعنة في السن قنوعة وصبورة تؤكد حبها لهذه البيئة القاسية .. ترى أنه لا يمكنها العيش في غيرها شاكرة ما توفره من أمن وراحة بال لا توجد في غيرها.
توتو يصفها البعض بـ "أم معبد" لأنها تقوم بواجب الضيافة للمسافرين دون انتظار جزاء أو شكور في تلك المنطقة التي تنعدم فيها مقومات الراحة والضيافة .
منت عبدي بحسب صفاتها العامة سيدة من مجتمع أصيل غزت التجاعيد وجهها المتهلل للضيوف، ولكن عقلها وصبرها ووفاءها لتلك البيئة البدوية وأصالتها في إكرام الضيوف ما زالت خصالا شابة تلازمها.


قصص مع مغامرات الرمال المتحركة


قصص كثيرة يرويها المسافرون لمغامرات سفرهم عبر تلك الطرق الوعرة والصعبة ..
الشاحنات لا تستطيع كسب رهان المغامرة.. ومن تجرأ من أصحابها فعليه التحلي بالعزم الصارم ومكابدة أهوال لم يحسب لمعظمها أي حساب.. مع فاصل زمني معدود ب5  أيام من السير غدوا ورواحا.
تقضي هذه الشاحنات  المحملة بالبضائع والمؤمن ساعات في رحلة متواصلة قبل الوصول إلى  محطة الراحة الوحيدة  "الكاوية"  حيث يكون أصحابها في ضيافة أم معبد.
يقول السائق محمد حدي إن الطريق صعبة ويسهل الضياع فيها على من لا يمتلكون الخبرة في مجاهل الصحراء ..
 مظاهر الحياة الوحيدة هنا أعرشة متناثرة.. بدو رحل .. تعطل سيارات ..ومركبات حكمت عليها وعورة الطريق بحوادث عجلت بنهايتها المحتومة فحولتها إلى خردة بعد سنوات من جمال المظهر وأبهة المسير.
تنتعش حركة السير في هذه الطريق أيام يخلد مهرجان المدن القديمة  بمدينة تيشيت،  ويتردد اسم توتو ليبقى محفورا على جدار ذاكرة  كل المسافرين  بهذا الطريق .. 
المسافرون عبر هذا الطريق  يؤكدون أنه الأكثر صعوبة ووعورة في البلاد رغم أنه بحساب المسافة قصير (240 كلم) لكن عوامل التعرية من جفاف ورمال متحركة وتقلب المناخ  حولته  إلى مجاهل يتخوف منها السائقون وجحيم للمسافرين  في زمن الطرق المعبدة وتذليل وعثاء السفر.
موريتانيا بلد صحراوي ...طريق تجكجة – تيشيت وعرة، مجاهيل صحراوية.. رحلات طويلة وشاقة، الكاوية قرية صغيرة وعنوان لاستراحة المسافرين..توت سيدة وفية للأصالة والضيافة الموريتانية.