خاص/ الجديد نيوز
كان آخر مشهد له في ظل نعمة البصر.. صورة ابنه مرتديا قميصا أبيض وسروالا قصيرا مخططا..
أصيب بصدمة كبيرة لما علم أنه بعد فترة سينضم لعالم المصابين بالعمى..
قصة مأساوية مليئة بالآلام والمشاعر الإنسانية الحزينة..
الشيخ ولد صمب العسكري المتقاعد بدأ الحديث عن قصته القاسية إلى الشمال يقول: "رافقت بعثة قادمة من "النرويج" تعمل في نزع الألغام، في حديثه حنين جارف لتلك الأيام، وشعور بالزهو؛ كنت أفدي الأبرياء وأزرع الأمل في صحراء قاحلة يتحول هدوءها في بعض الأحيان إلى صوت مزلزل بفعل انفجارات الألغام .. وتصهر شمسها الحارقة الصخور التي تكسو أديم أرضها الصلبة القاسية فتتحول إلى جحيم لا يطاق..
كانت الأعراض الأولى لمرضه صداع مبرح وتناقص في الرؤية .. إنه مؤمن راض بقضاء الله وقدره
..بعد ماراتون طويل من الفحوصات في العاصمة كان وقع النتيجة صادما له بعد أن أخبره الطبيب أنه مصاب بـ "ضغط العين". وأضاف الطبيب ووجهه مُكفرّ بحسب وصف مرافقه "لا أمل في الشفاء بعد أن استفحل المرض"
بعد مدة أطبق عليه داء العمى ... إنه واقع صعب؛ التحول من الرؤية إلى تخيل الواقع!
الحالة العامة لأسرة ولد صمب ضعيفة تتطلب تدخلا بالمساعدة لتعويض قدر من الفاقة والحرمان والشعور بالغبن والملل .
يقطن في غرفة صغيرة، نوافذها ضيقة، وطلاؤها باهت، تتكدس في زاوية منها أغطية وملابس مستعملة، يجلس الشيخ مع صغيره عثمان.
يحكي ولد صمب عن صورة مشوشة بقيت عالقة في ذهنه لولده عثمان وأماكن نائية خدم فيها أيام القوة والزهو بالبذلة العسكرية.
حدثنا عن مشواره اليومي والمزاولة بين العبادة والاستماع لجهاز راديو لديه ويرجو المساعدة من المحسنين .
قطعت حديثنا زوجُه عائشة؛ شابة في عقدها الثالث..تَرتسم على وجهها ملامح حزن عميق.. حدثتنا عن المعاناة التي سببها فقد الزوج لعمله وبصره، كانت العبرات تخنق صوتها.
استرسلت في حديثها : "لقد فرضت على هذه الظروف البحث عن عمل لمساعدة زوجي على تحمل أعباء الأسرة".
عملت في صباغة الثياب.. كانت مهنة شاقة تتطلب الخروج باكرا.. ودخول معمعة النقل الحضري في العاصمة من بوابة "الحافلة القديمة" في رحلة طويلة ومعقدة .. تتحمل الصبر على المواد الكيماوية بروائحها الخطيرة.. قالت إنها تسببت لها في نوبات من الربو والحساسية الجلدية .
في المساء تعود أدراجها، بعد يوم شاق ورحلة أكثر تعقيدا، تسبقها معركة البحث عن حافلة وكثيرا ما تضطر للسير راجلة إلى ملتقى " مدريد"
القصص الإنسانية تنقل الحقائق المُرّة، فترق لها القلوب الرحيمة، وهي رسائل من الواقع لمن يهمهم الأمر.
الرفق بالمستضعفين من طبقات المجتمع، في عالم لا يرحم، هو جوهر الإنسانية، وموقف نبيل تكفله دولة القانون والمساواة.