في تغطية الذكرى الـ 64 للاستقلال المجيد: أنظمة الحكم...مسار مضطرب .. وتفاؤل بالمستقبل ــ الجديد نيوز

منذ فجر الاستقلال عن فرنسا في 28 نوفمبر 1960 عرفت البلاد عدة أنظمة تفاوتت أخفاقاتها ونجاحاتها؛ ولكن القاسم المشترك بينها هو عدم الاستقرار السياسي .

حقب مختلفة، وأسماء لامعة، قادت سفينة البلاد خلال 64 عاما الماضية بعضها حالفه حظ الإنجاز وخدمة الشعب، والبعض الآخر انقلب عليه الزمان بسرعة البرق الخاطف.

أجيال كثيرة لا تعرف الكثير عن قادة البلاد، وحقب حكمهم التي عشناها خلال فترات مختلفة، تركت أفعالا وظروفا هي الحاضر الذي نعيشه، وبالتأكيد ستكون نتائحها مقدمات لصنع المستقبل في حقب أخرى قادمة .

العرض التالي يقدم قراءة في حقب الحكم ومسار البلاد .

دولة الرئيس المؤسس

كان الرئيس الراحل والمحامي المختار ولد داداه الرئيس المؤسس للبلاد صحبة كوكبة من النخبة حينها درس  معظمهم بالسنيغال وفرنسا .

ورغم التحديات المختلفة التي اكتنفت استقلال البلاد من تنازع في السيادة مع بعض الجيران، وعوائق غياب البنية التحتية للدولة الوليدة، ونقص كبير في الكوادر المؤهلة لتسيير البلد، فإن الرئيس الراحل ولد داداه وضع أركان دولة حقيقية من حيث صلابة المؤسسات والبعد عن الفساد وحسن العلاقات الخارجية .

كما ساهم في وضع اللبنات الأساسية للدولة من الناحية الاقتصادية حيث أمم شركة " ميفرما" (اسنيم حاليا) وأنشأ عملة الأوقية بدلا من الإفرنك الإفريقي،  وبنيت معظم مؤسسات الدولة الأساسية في عهده كـ"البنك المركزي  والوزارات والقصر الرئاسي القديم وميناء نوكشوط والملعب الأولمبي، ووضعت أركان الدولة في عهده كالعلم والنشيد القديمين والشعار الحالي (شرف، إخاء، عدالة).

بيد أن ذلك العهد شهد هزات عنيفة تملثت في "مذبحة" ازويرات 1968 التي قتل فيها عمال موريتانيون في "سنيم" يطالبون الفرنسيين بحقوقهم، كما عرفت اضطرابات بسبب إصلاح نظام التعليم 1966 وإدخال اللغة العربية للمناهج كما شهدت ـ أيضا ـ  شدا وجذبا مع حركات الناصريين والكادحين .

ويقول مراقبون إن  التوجه السياسي في عهد ولد داداه، كان  يتمثل في توازن حذر بين الجذور الإفريقية والعربية للبلاد. 

وقد جاء الاستقلال نتيجة علاقات مثمرة مع فرنسا، والمشاركة الكاملة في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي لاحقا)، ولكن أيضا مع عضوية جامعة الدول العربية في عام 1973م

واختتمت فترة الرئيس الراحل بدخول حرب الصحراء 1975 والتي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، وأدت لانقلاب الجيش عليه في 10 يوليو 1978 بعد فترة حكم دامت 18 عاما .

الانقلابات العسكرية ... الفترة المظلمة !!

تزعم الانقلاب العسكري الأول بموريتانيا قائد الأركان وقتها المرحوم المصطفى ولد محمد السالك، ولكنه استقال في يونيو من عام 1979 وجاء بعده محمد محمود ولد لولي.

 وقعت موريتانيا معاهدة مع جبهة "البوليزاريو" في أغسطس   في محاولة لفك ارتباط موريتانيا بالصحراء الغربية.

وقد أدى ذلك إلى تدهور العلاقات مع المغرب. فانقلب العسكر من جديد على ولد لولي  في يناير 1980 وحل محله رئيس الوزراء المقدم محمد خونة ولد هيداله.

تميزت فترة حكم محمد خون ولد هيدالة بـ"تطبيق الشريعة" وشهدت إنشاء قوانين مهمة كـ الفانون الجنائي والإصلاح العقاري الأول وإلغاء العبودية رسميا في موريتانيا.

بيد أنه شهد محاكمات سياسية ومحاولة انقلابية شهيرة في 16مارس 1981م هزت أركان الدولة بعنف.

عهد ولد الطايع ... مسيرة طويلة

في 12دجمبر من عام 1984، تولى العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع رئاسة الجمهورية في انقلاب أبيض، واستأنفت موريتانيا العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في عام 1985 سعيا لحل النزاع في الصحراء الغربية.

تواصل الحكم العسكري في عهد ولد الطايع إلى 1991 حيث صدر دستور جديد يقضي بالتعددية الديمقراطية وحرية الصحافة المكتوبة.

كما تعاون بشكل وثيق مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في إجراء التعديلات الهيكلية وخصخصة الاقتصاد

وأعلن فوز ولد الطايع في وقت لاحق بأول انتخابات رئاسية متعددة الأحزاب في البلاد عام 1992 وأعيد انتخابه في عامي 1997 و 2003.

شهد عهد ولد الطايع أزمة مع السنيغال 1989 أسفرت عن تسفير آلاف المواطنين بين البلدين وعدد من القتلى والجرحى .

كما عرف عهده إنشاء مشروع  "دومسات" لربط موريتانيا بالاتصالات 1994 ودخول الإنترنت للبلاد 1998.

بيد أن المراقبين يرون أن الأزمة السياسية والمسار الديمقراطي "الميكانيكي" المشوب بمزاعم كثيرة بالتزوير والاعتماد على الولاءات الضيقة كالقبلية وشراء الذمم واستغلال النفوذ واستفحال الأزمات السياسية والاقتصادية واستشراء الفساد عجلت بنهايته حيث شهد هزتان عنيفتان (محاولة انقلاب 2003 ومحاولة انقلاب2004) .

نهاية عهد طويل .. وأمل جديد

في الـ 3 أغسطس من عام 2005، وبينما كان ولد الطايع خارج البلاد لتقديم واجب العزاء في العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز  قام ضباط الجيش بانقلاب ناجح تزعمه قائد الشرطة العقيد المرحوم اعل ولد محمد فال و وعد من ضباط الجيش.

وتعهد ولد محمد فال باستعادة الديمقراطية، وفي عام 2006 قدم استفتاء على إصلاحات دستورية حيث وافق الناخبون بأغلبية ساحقة على التغييرات التي تضمنت قصر فترة الرئاسة على فترتين متتاليتين من 5 سنوات بدلا من 6 سنوات

وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس من عام 2007، فاز المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في موريتانيا وسلم له رئيس الفترة الانتقالية المرحوم اعل ولد محمد فال السلطة في سابقة بموريتانيا .

وتصاعدت الانتقادات ضد الرئيس ولد عبد الله في الأشهر التي أعقبت انتخابه وتزايدت التوترات في مايو من عام 2008 عندما عيّن ولد عبد الله عددا من الوزراء الذين شغلوا مناصب مهمة في حكومة ولد الطايع وكان أغلبهم متهما بالفساد.

عهد جديد ...وأمل مشرق ...

في يوليو  2008، وافق البرلمان على حجب الثقة عن الحكومة وهي الخطوة التي أعقبها رحيل ما يقرب من 50 من أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان في أوائل أغسطس.

وفي صبيحة  6 أغسطس من عام 2008، أقال الرئيس  الراحل سيدي ولد عبد الله عددا من كبار مسؤولي الجيش الذين ترددت شائعات عن تورطهم في الأزمة البرلمانية من بينهم الفريق أول محمد ولد عبد العزيز، قائد الحرس الرئاسي، واللواء محمد ولد الشيخ الغزواني قائد أركان الجيش الوطني. وردا على ذلك، قام الجيش على الفور بانقلاب وعزله من السلطة.

وتصاعدت الضغوط الخارجية على النظام العسكري وأدت إلى جولة جديدة من الانتخابات في يوليو من عام 2009 وفاز في دورها الأول الجنرال محمد ولد عبد العزيز .

وتميزت رئاسة ولد عبد العزيز بزيادة الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي القوي وعلاوة على ذلك أدت مبادراته إلى تحسين مستويات المعيشة بين الفقراء، وتحسنت البنية التحتية وأنشأ نظاما رقميا للحالة المدنية، ولكن يرى مراقبون أن عهده الذي دام 12 عاما عرف نوعا من التوتر السياسي الحاد مع معارضيه .

تواصل عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي كان صارما في حكمه ووصف نفسه بـ"رئيس الفقراء" وقال إنه منخرط في مكافحة الفساد.

في أغسطس 2019 فاز الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني بمأمورية أولى وشهد عهده التهدئة السياسية وواصل في مشوار التنمية الاقتصادية ، وفي 1 أغسطس الماضي انتخب الرئيس غزواني لمأمورية ثانية وأخيرة حت 2029.

يوصف عهد الرئيس غزواني بعهد الهدوء والتنمية في ظل الاستقرار.

 مسار متقلب وطويل

مسار سياسي طويل ومتقلب .. 64 عاما من الاستقلال ... محطات كثيرة ... شخصيات متنوعة إسهامات عديدة .. معوقات كثيرة .. أجيال شابة  لاتعرف الكثير عن قادة سفينة الوطن ... أمطنا اللثام عن مراحل مختفة وللتاريخ الحكم النهائي.